أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ١٤٠
في وجوب الحق فيهما وهو ربع العشر، فكانا بمنزلة العروض المختلفة إذا كانت للتجارة لما كان الواجب فيها ربع العشر ضم بعضها إلى بعض مع اختلاف أجناسها. وقد قال الشافعي فيمن له مائة درهم وعرض للتجارة يساوي مائة درهم: " إن الزكاة واجبة عليه "، فضم العرض إلى المائة مع اختلاف الجنسين لاتفاقهما في وجوب ربع العشر.
وليس الذهب والفضة كالجنسين من الإبل والغنم لأن زكاتهما مختلفة. فإن قيل:
زكاة خمس من الإبل مثل زكاة أربعين شاة ولم يكن اتفاقهما في الحق الواجب موجبا لضم أحدهما إلى الآخر. قيل له: لم نقل أن اتفاقهما في المقدار الواجب يوجب ضم أحدهما إلى الآخر، وإنما قلنا أن اتفاقهما في وجوب ربع العشر فيهما هو المعنى الموجب للضم، كعروض التجارة عند اتفاقها في وجوب ربع العشر وقت الضم، والإبل والغنم ليس الواجب فيهما ربع العشر لأن الشاة ليست ربع العشر من خمس من الإبل ولا ربع العشر من أربعين شاة أيضا، لأنه جائز أن يكون الغنم خيارا ويكون الواجب فيها شاة وسطا فيكون أقل من ربع عشرها، فهذا إلزام ساقط.
فإن احتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم: " ليس فيما دون خمس أواق صدقة " وذلك يوجب الزكاة فيها سواء كان معها ذهب أو لم يكن. قيل له: كما لم يمنع قوله: " ليس فيما دون خمس أواق صدقة " وجوب ضم المائة إلى العروض وكان معناه عندك: إذا لم يكن معه غيره من العروض، كذلك نقول نحن في ضمه إلى الذهب.
قوله تعالى: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا) إلى قوله: (حرم). لما قال تعالى في مواضع أخر: (الحج أشهر معلومات) [البقرة: 197] وقال: (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) [البقرة: 189]، فعلق بالشهور كثيرا من مصالح الدنيا والدين، وبين في هذه الآية هذه الشهور، وإنما تجري على منهاج واحد لا يقدم المؤخر منها ولا يؤخر المقدم، وقال: (إن عدة الشهور عند الله) وذلك يحتمل وجهين، أحدهما: أن الله وضع هذه الشهور وسماها بأسمائها على ما رتبها عليه يوم خلق السماوات والأرض وأنزل ذلك على أنبيائه في كتبه المنزلة، وهو معنى قوله: (إن عدة الشهور عند الله) وحكمها باق على ما كانت عليه لم يزلها عن ترتيبها تغيير المشركين لأسمائها وتقديم المؤخر وتأخير المقدم في الأسماء منها، وذكر ذلك لنا لنتبع أمر الله فيها ونرفض ما كان عليه أمر الجاهلية من تأخير أسماء الشهور وتقديمها وتعليق الأحكام على الأسماء التي رتبوها عليها، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ما رواه ابن عمر وأبو بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته بالعقبة: " يا أيها الناس إن الزمان قد استدار " قال ابن عمر: " فهو اليوم كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض " وقال أبو بكرة: " قد استدار
(١٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 ... » »»