ووجب طلب معرفة قيمة المجن الذي قطع فيه النبي صلى الله عليه وسلم. وليس إجمالها في المقدار بموجب إجمالها في سائر الوجوه من الحرز وجنس المقطوع فيه وغير ذلك، بل جائز أن يكون عموما في هذه الوجوه مجملا في حكم المقدار فحسب، كما أن قوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة) [التوبة: 103] عموم في جهة الأموال الموجب فيها الصدقة مجمل في المقدار الواجب منها. وكان شيخنا أبو الحسن يذهب إلى أن الآية مجملة من حيث علق فيها الحكم بمعان لا يقتضيها اللفظ من طريق اللغة، وهو الحرز والمقدار، والمعاني المعتبرة في إيجاب القطع متى عدم منها شئ لم يجب القطع مع وجود الاسم، لأن اسم السرقة موضوع في اللغة لأخذ الشئ على وجه الاستخفاء، ومنه قيل " سارق اللسان " و " سارق الصلاة " تشبيها بأخذ الشئ على وجه الاستخفاء، والأصل فيه ما ذكرنا. وهذه المعاني التي ذكرنا اعتبارها في إيجاب القطع لم يكن الاسم موضوعا لها في اللغة، وإنما ثبت ذلك من جهة الشرع، فصارت السرقة في الشرع اسما شرعيا لا يصح الاحتجاج بعمومه إلا فيما قامت دلالته.
واختلف في مقدار ما يقطع فيه السارق، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد والثوري: " لا قطع إلا في عشرة دراهم فصاعدا أو قيمتها من غيرها ". وروي عن أبي يوسف ومحمد: " أنه لا قطع حتى تكون قيمة السرقة عشرة دراهم مضروبة ". وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة: " أنه إذا سرق ما يساوي عشرة دراهم مما يجوز بين الناس قطع ". وقال مالك والأوزاعي والليث والشافعي: " لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا "، قال الشافعي: " فلو غلت الدراهم حتى يكون الدرهمان بدينار قطع إلا في ربع دينار، وإن كان ذلك نصف درهم، وإن رخصت الدنانير حتى يكون الدينار بمائة درهم قطع في ربع دينار، وذلك خمسة وعشرون درهما ". وروي عن الحسن البصري أنه قال: " يقطع في درهم واحد "، وهو قول شاذ قد اتفق الفقهاء على خلافه. وقال أنس بن مالك وعروة والزهري وسليمان بن يسار: " لا يقطع إلا في خمسة دراهم "، وروي نحوه عن عمر وعلي أنهما قالا: " لا يقطع إلا في خمسة ". وقال ابن مسعود وابن عباس وابن عمر وأيمن الحبشي وأبو جعفر وعطاء وإبراهيم: " لا قطع إلا في عشرة دراهم "، قال ابن عمر: " يقطع في ثلاثة دراهم ". وروي عن عائشة القطع في ربع دينار. وروي عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة قالا: " لا تقطع اليد إلا في أربعة دراهم ".
والأصل في ذلك أنه لما ثبت باتفاق الفقهاء من السلف ومن بعدهم أن القطع لا يجب إلا في مقدار متى قصر عنه لم يجب، وكان طريق إثبات هذا الضرب من المقادير التوقيف أو الاتفاق، ولم يثبت التوقيف فيما دون العشرة وثبت الاتفاق في العشرة،