مثل ما يخرج غيرها، فعلمنا أنه لم يرد بالطيب ما ذكرت. وقد روى أبو ظبيان عن ابن عباس قال: " الطيب الصعيد الجرز " أو قال: " الأرض الجرز ". وقال ابن جريج، قال:
قلت لعطاء: (فتيمموا صعيدا طيبا)؟ قال: أطيب ما حولك. ويدل عليه أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم: " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا "، وهو يدل من وجهين على ما ذكرنا، أحدهما: اخباره أن الأرض طهور، فكل ما كان من الأرض فهو طهور بمقتضى الخبر.
والآخر: أن ما جعله من الأرض مسجدا هو الذي جعله طهورا، وسائر ما ذكر هو من الأرض وهي مسجد، فيجوز التيمم به بحق العموم. وروى عمرو بن دينار عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة: أن أعرابا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنا نكون في هذه الرمال لا نقدر على الماء ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر وفينا النفساء والحائض والجنب؟
فقال صلى الله عليه وسلم: " عليكم بأرضكم " فأفاد بذلك جوازه بكل ما كان من الأرض. ولما ذكرنا من عموم الآية والخبر أجزنا التيمم بالحجر والحائط، لأنه من الأرض، لأنها تشتمل على أنواع مختلفة ولا يخرجها اختلاف أنواعها من كون جميعها صعيدا، وقال تعالى:
(فتصبح صعيدا زلقا) [الكهف: 40] يعني الأرض الملساء التي لا شئ عليها. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يحشر الناس عراة حفاة في صعيد واحد " يعني الأرض المستوية التي ليس عليها شئ، كقوله تعالى: (فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا) [طه:
106 و 107] فلا فرق بين ما عليه منها تراب أو لا تراب عليه، لوقوع الاسم عليه على الإطلاق.
فإن قيل: إن الآجر وإن كان أصله من الأرض فقد انتقل عن طبع الأرض بالطبخ وحال عن حد التراب، فهو كالماء المنتقل عن حاله بما يدخل عليه من الرياحين والأصباغ حتى يحول إلى جنس آخر ويزول عنه الاسم الأول، وكالزجاج، فلا يجوز الوضوء به. قيل له: إنما لم يجز الوضوء بالماء الذي ذكرت لغلبة غيره عليه حتى أزال عنه اسم الماء، وأما الآجر فلا يخالطه ما يخرجه عن حد الأرض، وإنما حدثت فيه صلابة بالإحراق فهو كالحجر، فلا يمنع ذلك التيمم به، وقد روى ابن عمر: " أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب يده على الحائط فتيمم به "، وروي: " أنه نفض يديه حين وضعهما على التراب " " وأنه نفخهما " فعلمنا أن المقصد فيه وضع اليد على ما كان من الأرض لا على أن يحصل في يده أو وجهه شئ منه، ولو كان المقصد أن يحصل في يده منه شئ لأمر بحمل التراب على يده ومسح الوجه به كما أمر بأخذ الماء للغسل أو للمسح حتى يحصل في وجهه، فلما لم يأمر بأخذ التراب ونفض النبي صلى الله عليه وسلم يديه ونفخهما علمنا أنه ليس المقصد حصول التراب في وجهه.