أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٣٨١
كسبت لهم، وفلان جريمة أهله أي كاسبهم، قال الشاعر:
جريمة ناهض في رأس نيق * ترى لعظام ما جمعت صليبا ويقال: جرم يجرم جرما، إذا قطع.
وقوله تعالى: (شنآن قوم) قرئ بفتح النون وسكونها، فمن فتح النون جعله مصدرا من قولك: " شنئته أشنأه شنآنا "، والشنآن البغض، فكأنه قال ولا يجرمنكم بغض قوم، وكذلك روي عن ابن عباس وقتادة قالا: " عداوة قوم ". ومن قرأ بسكون النون فمعناه بغيض قوم، فنهاهم الله بهذه الآية أن يتجاوزوا الحق إلى الظلم والتعدي، لأجل تعدى الكفار بصدهم المسلمين عن المسجد الحرام، ومثله قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ".
وقوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) يقتضي ظاهره إيجاب التعاون على كل ما كان طاعة لله تعالى، لأن البر هو طاعات الله. وقوله تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) نهى عن معاونة غيرنا على معاصي الله تعالى.
قوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) الآية. الميتة ما فارقته الروح بغير تزكية مما شرط علينا الزكاة في إباحته. وأما الدم فالمحرم منه هو المسفوح، لقوله تعالى: (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا) [الأنعام: 145] وقد بينا ذلك في سورة البقرة. والدليل أيضا على أن المحرم منه هو المسفوح اتفاق المسلمين على إباحة الكبد والطحال وهما دمان، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أحلت لي ميتتان ودمان "، يعنى بالدمين الكبد والطحال، فأباحهما وهما دمان، إذ ليسا بمسفوح، فدل على إباحة كل ما ليس بمسفوح من الدماء.
فإن قيل: لما حصر المباح منه بعدد دل على حظر ما عداه. قيل: هذا غلط، لأن الحصر بالعدد لا يدل على أن ما عداه حكمه بخلافه، ومع ذلك فلا خلاف أن مما عداه من الدماء ما هو المباح وهو الدم الذي يبقى في خلل اللحم بعد الذبح وما يبقى منه في العروق، فدل على أن حصره الدمين بالعدد وتخصيصهما بالذكر لم يقتض حظر جميع ما عداهما من الدماء. وأيضا فإنه لما قال: (أو دما مسفوحا) [الأنعام: 145] ثم قال:
(٣٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 376 377 378 379 380 381 382 383 384 385 386 ... » »»