أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٣٤٤
الثاني قبل أن يغيب الشفق، وكذلك في حديث جابر. فثبت بذلك أن لوقت المغرب أولا وآخرا.
وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا معاذ بن المثنى قال: حدثنا محمد بن كثير قال: حدثنا همام عن قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وقت المغرب ما لم يغب الشفق ". وروى عروة بن الزبير عن زيد بن ثابت قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة المغرب بأطول الطول " وهي " المص ". وهذا يدل على امتداد الوقت، ولو كان الوقت مقدرا بفعل ثلاث ركعات لكان من قرأ: " المص " قد أخرها عن وقتها.
فإن قيل: روي في حديث ابن عباس وأبي سعيد: " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب في اليومين جميعا في وقت واحد بعد غروب الشمس ". قيل له: هذا لا يعارض ما ذكرنا، لأنه جائز أن يكون فعله كذلك ليبين الوقت المستحب، وفي الأخبار التي رويناها بيان أول الوقت وآخره، وإخبار منه بأن ما بين هذين وقت، فهو أولى لأن فيه استعمال الخبرين، ومع ذلك فإن فعله لها في اليومين في وقت واحد لو انفرد عما يعارضه من الأخبار التي ذكرنا لم تكن فيه دلالة على أنه لا وقت لها غيره، كما لم يدل فعله للعصر في اليومين قبل اصفرار الشمس على أنه لا وقت لها غيره، وكفعله للعشاء الآخرة في اليومين قبل نصف الليل لم يدل على أن ما بعد نصف الليل ليس بوقت لها. ومن جهة النظر أن سائر الصلوات المفروضات لما كان لأوقاتها أول وآخر ولم تكن أوقاتها مقدرة بفعل الصلاة، وجب أن يكون المغرب كذلك، فقول من جعل الوقت مقدرا بفعل الصلاة خارج عن الأصول مخالف للأثر والنظر جميعا. ومما يلزم الشافعي في هذا أنه يجيز الجمع بين المغرب والعشاء في وقت واحد إما لمرض أو سفر كما يجيزه بين الظهر والعصر، فلو كان بينهما وقت ليس منهما لما جاز الجمع بينهما، كما لا يجوز الجمع بين الفجر والظهر إذ كان بينهما وقت ليس منهما.
فإن قيل: ليست علة الجمع تجاور الوقتين، لأنه لا يجمع المغرب إلى العصر مع تجاور الوقتين. قيل له: لم نلزمه أن يجعل تجاور الوقتين علة للجمع، وإنما ألزمناه
(٣٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 339 340 341 342 343 344 345 346 347 348 349 ... » »»