أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٢٢٠
ونحوها من البياعات المجهولة والمعقود على غرر، جميع ذلك مخصوص من ظاهر قوله تعالى: (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم).
وقد قرئ قوله: (إلا أن تكون تجارة عن تراض) بالنصب والرفع، فمن قرأها بالنصب كان تقديره: إلا أن تكون الأموال تجارة عن تراض، فتكون التجارة الواقعة عن تراض مستثناة من النهي عن أكل المال، إذ كان أكل المال بالباطل قد يكون من جهة التجارة ومن غير جهة التجارة، فاستثنى التجارة من الجملة وبين أنها ليست أكل المال بالباطل. ومن قرأها بالرفع كان تقديره: إلا أن تقع تجارة، كقول الشاعر:
فدى لنبي شيبان رحلي وناقتي * إذا كان يوم ذو كواكب أشهب يعني: إذا حدث يوم كذلك.
وإذا كان معناه على هذا كان النهي عن أكل المال بالباطل على إطلاقه لم يستثن منه شئ، وكان ذلك استثناء منقطعا بمنزلة: لكن إن وقعت تجارة عن تراض فهو مباح.
وقد دلت هذه الآية على بطلان قول القائلين بتحريم المكاسب، لإباحة الله التجارة الواقعة عن تراض، ونحوه قوله تعالى: (وأحل الله البيع) [البقرة: 275]، وقوله تعالى: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) [الجمعة: 10]، وقوله تعالى: (وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله) [المزمل: 20]، فذكر الضرب في الأرض للتجارة وطلب المعاش مع الجهاد في سبيل الله، فدل ذلك على أنه مندوب إليه، والله تعالى أعلم وبالله التوفيق.
باب خيار المتبايعين اختلف أهل العلم في خيار المتبايعين، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر والحسن بن زياد ومالك بن أنس: " إذا عقد بيع بكلام فلا خيار لهما وإن لم يتفرقا "، وروي نحوه عن عمر بن الخطاب. وقال الثوري والليث وعبيد الله بن الحسن والشافعي:
" إذا عقدا فهما بالخيار ما لم يتفرقا ". وقال الأوزاعي: " هما بالخيار ما لم يتفرقا إلا في بيوع ثلاثة: بيع مزايدة الغنائم والشركة في الميراث والشركة في التجارة، فإذا صافقه فقد وجب وليسا فيه بالخيار ". ووقت الفرقة أن يتوارى كل واحد منهما عن صاحبه، وقال الليث: " التفرق أن يقوم أحدهما ". وكل من أوجب الخيار يقول: إذا خيره في المجلس فاختار فقد وجب البيع. وروى خيار المجلس عن ابن عمر.
قال أبو بكر: قوله تعالى: (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن
(٢٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 ... » »»