أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ١٧٨
لم نوجب نصف الفرض، فأما إذا أوجبناه وأوجبنا زيادة عليه بدلالة أخرى فليس في ذلك مخالفة للآية.
واحتج من أجاز أن يكون المهر أقل من عشرة بحديث عامر بن ربيعة: أن امرأة جئ بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد تزوجت رجلا على نعلين، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رضيت من نفسك ومالك بنعلين؟ " قالت: نعم، فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبحديث أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما أعطى امرأة في نكاح كف دقيق أو سويق أو طعاما فقد استحل ". وبحديث الحجاج بن أرطاة عن عبد الملك بن المغيرة الطائفي عن عبد الرحمن بن السلماني قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أنكحوا الأيامى منكم! " فقالوا: يا رسول الله وما العلائق بينهما؟ قال: " ما تراضى به الأهلون ". وبما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من استحل بدرهمين فقد استحل "، وأن عبد الرحمن بن عوف تزوج على وزن نواة من ذهب وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " أولم ولو بشاة " ولم ينكر ذلك عليه.
وبحديث أبي حازم عن سهل بن سعد في قصة المرأة التي قالت لنبي صلى الله عليه وسلم قد وهبت نفسي لك يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " مالي بالنساء من حاجة "، فقال له رجل: زوجنيها!
فقال: " هل عندك من شئ تصدقها إياه؟ " فقال: إزاري هذا. فقال: " إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك "، إلى أن قال: " التمس ولو خاتما من حديد "، فأجاز أن يكون المهر خاتما من حديد، وخاتم من حديد لا يساوي عشرة.
والجواب عن إجازته النكاح على نعلين أن النعلين قد يجوز أن تساويا عشرة دراهم أو أكثر، فلا دلالة فيه على موضع الخلاف، لأنه تزوجها على نعلين ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وجائز أن يكون قيمتها عشرة أو أكثر، وليس بعموم لفظ في إباحة التزويج على نعلين أي نعلين كانتا، فلا دلالة فيه على قول المخالف. وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بجواز النكاح، وجواز النكاح لا يدل على أنه هو المهر لا غيره، لأنه لو تزوجها على غير مهر لكان النكاح جائزا، ولم يدل جواز النكاح على أن لا شئ لها، كذلك جواز النكاح على نعلين قيمتهما أقل من عشرة دراهم لا دلالة فيه على أنه لا يجب غيرهما. وأما قوله: " من استحل بدرهمين أو بكف دقيق فقد استحل " فإنه أخبار عن ملك البضع، ولا دلالة فيه على أنه لا يجب غيره. وكذلك حديث عبد الرحمن في تزوجه على وزن نواة من ذهب، وعلى أنه قد روى في الخبر أن قيمتها كانت خمسة أو عشرة. وأما قوله: " العلائق ما تراضى به الأهلون " فإنه محمول على ما يجوز مثله في الشرع، ألا ترى أنهم لو تراضوا بخمر أو خنزير أو شغار لما جاز تراضيهما؟ كذلك في حكم التسمية يكون مرتبا على ما ثبت حكمه في الشرع من تسمية العشرة. وأما حديث سهل بن سعد فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمره
(١٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 ... » »»