ومعلوم إن أهل الكوفة قاطبة كانوا من شيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وكان التشيع في تلك الأيام منحصرا في تفضيل علي على عثمان رضي الله عنهما. فلا يبعد ان يكون الثوري يفضل هذا على ذاك حين إقامته في الكوفة.
ولذا ذكر في الكتب التاريخية إنه كان شيعيا مطلقا أو زيديا خاصة.
فهل ترك الثوري مسلك أهل التشيع واختار مذهب أهل السنة بعد ما دخل البصرة كما ادعى ابن جرير؟ الجواب نعم، لأن ما لدينا من آرائه في الفروع، والأصول، التي قد تواتر النقل بها من راو إلى راو ومن كتاب إلى كتاب، برهان على كونه من أهل السنة والجماعة. ولضيق المجال نترك البحث عن الفروع لمن له فرصة لمطالعة الكتب الفقهية ونقتصر بذكر ما أملى الثوري في العقائد على ما روى الذهبي (1) باسناده عن شعيب بن حرب. قال شعيب، قلت لسفيان الثوري:
" حدث بحديث في السنة ينفعني الله به. فإذا وقفت بين يديه وسألني عنه، قلت: يا رب، حدثني بهذا سفيان. فانجو أنا وتؤخذ ". فقال اكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم القرآن كلام الله غير مخلوق. منه بدأ وإليه يعود. من قال غير هذا، فهو كافر. والايمان قول وعمل ونية. يزيد وينقص. وتقدمة الشيخين (إلى أن قال):
يا شعيب لا ينفعك ما كتبت، حتى ترى المسح على الخفين، وحتى ترى إن إخفاء " بسم الله الرحمن الرحيم " أفضل من الجهر به، وحتى تؤمن بالقدر، وحتى ترى الصلاة خلف كل بر وفاجر، والجهاد ماض إلى يوم القيامة، والصبر تحت لواء السلطان جائر أو عدل.
فقلت: " يا أبا عبد الله، الصلاة كلها "؟ قال: " لا، ولكن صلاة الجمعة والعيدين صل خلف من أدركت. وأما سائر ذلك، فأنت مخير. لا تصل إلا خلف من تثق به وتعلم إنه من أهل السنة. إذا وقفت بين يدي الله فسألك عن