الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٨ - الصفحة ٦٢
ولم يعص هذا الأمر إلا إبليس: إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين.
وهنا سأل الله إبليس: قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين.
فأجاب إبليس بعد أن كان غارقا في بحر الغرور المظلم، وتائها في حب النفس المقتم، وبعد أن غطى حجاب الخسران عقله.. أجاب بوقاحة قال لم أكن لا سجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون.. فأين النار المضيئة من التراب الأسود المتعفن! وهل لموجود شريف مثلي أن يتواضع ويخضع لموجود أدنى منه! أي قانون هذا؟!..
ونتيجة للغرور وحب النفس، فقد جهل أسرار الخليقة، ونسي بركات التراب الذي هو منبع كل خير وبركة، والأهم من ذلك كله.. فقد تجاهل شرافة تلك الروح التي أودعها الرب في آدم.. وكنتيجة طبيعية لهذا السلوك المنحرف فقد هوى من ذلك المقام المرموق بعد أن أصبح غير لائق لأن يكون في درجة الملائكة وبين صفوفهم، فجاء الأمر الإلهي مقرعا: قال فاخرج منها فإنك رجيم، أي أخرج من الجنة، أو من السماوات أو اخرج من بين صفوف الملائكة.
واعلم يا إبليس بأن غرورك أصبح سببا لكفرك، وكفرك قد أوجب طردك الأبدي وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين أي، إلى يوم القيامة.
وهنا.. حينما وجد إبليس نفسه مطرودا من الساحة الإلهية، ساوره إحساس بأن خلق الإنسان هو سبب شقائه فاشتعلت نار الحقد والضغينة في قلبه لينتقم لنفسه من أولاد آدم (عليه السلام).
فبالرغم من أن السبب الحقيقي يرجع إلى إبليس نفسه وليس لآدم دخل في ذلك، إلا أن غروره وحبه لنفسه وعناده المستحكم لم يعطياه الفرصة لدرك حقيقة شقاءه، ولهذا قال رب فانظرني إلى يوم يبعثون، ليركز عناده وعداءه!
وقبل الله تعالى طلبه: قال فإنك من المنظرين.
ولكن ليس إلى يوم يبعثون كما أراد، بل إلى يوم الوقت المعلوم. فما هو
(٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 ... » »»