ذكر المفسرون في تفسير ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين احتمالات كثيرة، فذكر العلامة الطبرسي في (مجمع البيان) ستة احتمالات، والقرطبي ثمانية احتمالات، وأبو الفتوح الرازي بحدود العشرة احتمالات، والملاحظة الدقيقة تظهر أنه يمكن لنا أن نجمع كل ما ذكروه في تفسير واحد، لأن كلمة " المستقدمين " و " المستأخرين " لهما معنيان واسعان يشملان المتقدمين والمتأخرين من حيث الزمان، وكذلك من حيث أعمال الخير والجهاد وحتى الحضور في الصفوف المتقدمة لصلاة الجماعة وما شابهها. وإذا ما أخذنا بهذا المعنى الجامع فيمكننا جمع كل الاحتمالات الواردة في " تقدم " و " تأخر " المذكورتين في الآية في تفسير واحد.
وفيما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحث على الاشتراك في الصف الأول من صفوف صلاة الجماعة أنه قال: " إن الله وملائكته يصلون على الصف المتقدم " فازدحم الناس وكانت دور بني عذرة بعيدة عن المسجد فقالوا: " لنبيعن دورنا ولنشترين دورا قريبة من المسجد حتى ندرك الصف المقدم "، فنزلت هذه الآية.
(وأفهمتهم على أن الله تعالى عليم بنياتكم، فحتى لو كنتم في الصف الأخير فإنه يكتب لكم ثواب الصف الأول حسب نيتكم وعزمكم على ذلك).
فمحدودية شأن نزول الآية لا يكون أبدا سببا لحصر مفهومها الواسع.
* * *