الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٨ - الصفحة ٦٤
من البديهي أن الله سبحانه منزه عن تضليل خلقه، إلا أن محاولة إبليس لتبرير ضلاله وتبرئة نفسه جعلته ينسب ذلك إلى الله سبحانه وتعالى. هذا الموقف هو ديدن جميع الأبالسة والشياطين، فهم يلقون تبعة ذنوبهم على الآخرين أولا ومن ثم يسعون لتبرير أعمالهم القبيحة بمنطق مغلوط ثانيا، والمصيبة أن مواقفهم تلك إنما يواجهون بها رب العزة والجبروت، وكأنهم لا يعلمون أنه لا تخفى عليه خافية.
وينبغي ملاحظة أن " المخلصين " جمع مخلص (بفتح اللام) وهو - كما بيناه في تفسير سورة يوسف - المؤمن الذي وصل إلى مرحلة عالية من الإيمان والعمل بعد تعلم وتربية ومجاهدة مع النفس، فيكون ممتنعا من نفوذ وساوس الشيطان وأي وسواس آخر.
ثم قال تعالى تحقيرا للشيطان وتقوية لقلوب العباد المؤمنين السالكين درب التوحيد الخالص: قال هذا صراط علي مستقيم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين.
يعني، يا إبليس ليس لك القدرة على إضلال الناس، لكن الذين يتبعونك إن هم إلا المنحرفين عن الصراط المستقيم والمستجيبين لدواعي رغباتهم وميولهم.
وبعبارة أخرى.. إن الإنسان حر الإرادة، وإن إبليس وجنوده لا يقوون على أن يجبروا إنسانا واحدا على السير في طريق الفساد والضلال، لكنه الإنسان هو الذي يلبي دعوتهم ويفتح قلبه أمامهم ويأذن لهم في الدخول فيه!
وخلاصة القول: إن الوساوس الشيطانية وإن كانت لا تخلو من أثر في تضليل وانحراف الإنسان، إلا أن القرار الفعلي للانصياع للوساوس أو رفضها يرجع بالكامل إلى الإنسان، ولا يستطيع الشيطان وجنوده مهما بلغوا من مكر أن يدخلوا قلب إنسان صاحب إرادة موجهة صوب الإيمان المخلص.
وأراد الله سبحانه بهذا القول نزع الخيال الباطل والغرور الساذج من فكر
(٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 ... » »»