المريض ويوغل قدمه في وحل الإصرار على الإثم والسير المتخبط في جادة العناد، فنسي أو تناسى ما للتوبة والاستغفار من أثر إيجابي، حتى دعته الحال لأن يشارك كل الظلمة والمذنبين من بني آدم في جرائمهم وذنوبهم بوسوسته لهم..
وبات عليه أن يتحمل نصيبه من عذاب الجميع يوم الفزع الأكبر.
وليس إبليس فحسب، بل إن التأريخ يحدثنا عن أصحاب النفوس المريضة ممن ركبهم الغرور والكبر فعاثوا في الأرض فسادا بعد أن غطت العصبية رؤاهم، وحجب الجهل بصيرتهم، وسلكوا طريق الظلم والاستبداد وسادوا على الرقاب بكل جنون فهبطوا إلى أدنى درجات الرذيلة والانحراف عن الطريق القويم.
إن هاتين السمتين الأخلاقيتين (التكبر والغرور) في الواقع.. نار رهيبة محرقة. فكما أن من صرف وطرا من عمره في بناء وتأثيث دار، لربما في لحظات معدودات يتحول إلى هباء منثور بسبب شرارة صغيرة.. فالتكبر والغرور يفعل فعل النار في الحطب ولا تنفع معه تلك السنين المعمورة بالطاعة والبناء.
فأي درس أنطق من قصة إبليس وأبلغ؟!
إن إبليس قد اختلطت عليه معاني الأشياء فراح يضع المعاني حسب تصوراته الخادعة المحدودة ولم يدرك أن النار ليست أفضل وأشرف من التراب، والتراب مصدر جميع البركات كالنباتات والحيوانات والمعادن وهو محل حفظ المياه، وبعبارة اشمل هو منبع وأصل كل الكائنات الحية، وما عمل النار إلا الإحراق وكثيرا ما تكون مخربة ومهلكة.
ويصف أمير المؤمنين (عليه السلام) إبليس بأنه " عدو لله، إمام المتعصبين وسلف المستكبرين " ثم يقول: " ألا ترون كيف صغره الله بتكبره ووضعه بترفعه، فجعله في الدنيا مدحورا وأعد له في الآخرة سعيرا " (1).