رحم الله شيخنا الوالد آية الله الشيخ محمد حسين السبحاني (١٢٩٩ - ١٣٩٢ ه) فقد كان في أواخر أيام عمره طريح الفراش فزارته ابنته فاطمة وكنت أرافقها فسألناه عن حاله فأنشد بيتا من لامية العجم للطغرائي وقال:
ترجو البقاء بدار لا ثبات لها * فهل سمعت بظل غير منتقل أما الكلام حول الدنيا ومصاعبها وما احتضنت من التعب والوصب، فيكفي في ذلك قراءة خطب الامام أمير المؤمنين (عليه السلام)، ننقل منها هذه الشذرات:
أما بعد، فإني أحذركم الدنيا، فإنها حلوة خضرة، حفت بالشهوات، وتحببت بالعاجلة. وراقت بالقليل، وتحلت بالآمال، وتزينت بالغرور، لا تدوم حبرتها، ولا تؤمن فجعتها، غرارة ضرارة، حائلة زائلة، نافدة بائدة، أكالة غوالة، لا تعدو - إذا تناهت إلى أمنية أهل الرغبة فيها والرضاء (الرضى) بها - أن تكون كما قال الله تعالى سبحانه: ﴿كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شئ مقتدرا﴾ (1) لم يكن امرؤ ومنها في حبرة إلا أعقبته بعدها عبرة، ولم يلق في سرائها بطنا، إلا منحته من ضرائها ظهرا.
(2) أو قال (عليه السلام) في خطبة أخرى:
ألا وإن الدنيا قد تصرمت، وآذنت بانقضاء، وتنكر معروفها، وأدبرت حذاء، فهي تحفز بالفناء سكانها (ساكنيها)، وتحدو بالموت جيرانها، وقد أمر فيها ما كان حلوا، وكدر منها ما كان صفوا، فلم يبق (تبق) منها إلا سملة كسملة الإداوة أو جرعة كجرعة المقلة، لو تمززها الصديان لم ينقع. فأزمعوا عباد الله الرحيل عن