غيب الأشياء الذي منه تنزل الأمور بقدر محدود فتستقر في منصة الظهور، والمراد بالكتابة على هذا هو التقدير والقضاء، والمراد بكون الغيب عندهم تسلطهم عليه وملكهم له.
فالمعنى: أم بيدهم أمر القدر والقضاء فهم يقضون كما شاؤوا فيقضون لأنفسهم أن يساووا المسلمين يوم القيامة.
وقيل: المراد بكون الغيب عندهم علمهم بصحة ما حكموا به والكتابة على ظاهر معناه والمعنى: أم عندهم علم بصحة ما يدعونه اختصوا به ولا يعلمه غيرهم فهم يكتبونه ويتوارثونه وينبغي أن يبرزوه.
وهو بعيد بل مستدرك والاحتمالات الاخر المذكورة مغنية عنه.
وإنما أخر ذكر هذا الاحتمال عن غيره حتى عن قوله: " أم تسألهم أجرا " مع أن مقتضى الظاهر أن يتقدم عليه، لكونه أضعف الاحتمالات وأبعدها.
قوله تعالى: " فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم " صاحب الحوت يونس النبي عليه السلام والمكظوم من كظم الغيظ إذا تجرعه ولذا فسر بالمختنق بالغم حيث لا يجد لغيظه شفاء، ونهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن أن يكون كيونس عليه السلام وهو في زمن النداء مملوء بالغم نهي عن السبب المؤدي إلى نظير هذا الابتلاء وهو ضيق الصدر والاستعجال بالعذاب.
والمعنى: فاصبر لقاء ربك أن يستدرجهم ويملئ لهم ولا تستعجل لهم العذاب لكفرهم ولا تكن كيونس فتكون مثله وهو مملوء غما أو غيظا ينادي بالتسبيح والاعتراف بالظلم أي فاصبر واحذر أن تبتلي بما يشبه ابتلاءه، ونداؤه قوله في بطن الحوت: " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " كما في سورة الأنبياء.
وقيل: اللام في " لحكم ربك " بمعنى إلى وفيه تهديد لقومه ووعيد لهم أن سيحكم الله بينه وبينهم، والوجه المتقدم أنسب لسياق الآيات السابقة.
قوله تعالى: " لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم " في مقام التعليل للنهي السابق: " لا تكن كصاحب الحوت " والتدارك الادراك واللحوق، وفسرت النعمة بقبول التوبة، والنبذ الطرح، والعراء الأرض غير المستورة بسقف أو نبات، والذم مقابل المدح.