الكفار والمؤمنون، وكان مرادهم أن الكفار هم خير مقاما وأحسن نديا من المؤمنين الذين كان الغالب عليهم العبيد والفقراء لكنهم أوردوه في صورة السؤال وكنوا عن الفريقين لدعوى أن المؤمنين عالمون بذلك يجيبون بذلك لو سئلوا من غير تردد وارتياب.
والمعنى: " وإذا تتلى على الناس - وهم الفريقان الكفار والمؤمنون - آياتنا وهي ظاهرات في حجتها واضحات في دلالتها لا تدع ريبا لمرتاب، قال فريق منهم وهم الذين كفروا للفريق الاخر وهم الذين آمنوا: أي هذين الفريقين خير من جهة المسكن وأحسن من حيث المجلس - ولا محالة هم الكفار - يريدون أن لازم ذلك أن يكونوا هم سعداء في طريقتهم وملتهم إذ لا سعادة وراء التمتع بأمتعة الحياة الدنيا فالحق ما هم عليه.
قوله تعالى: " وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورءيا القرن: الناس المقترنون في زمن واحد، والاثاث: متاع البيت، قيل: لا يطلق إلا على الكثير ولا واحد له من لفظه، والرءي بالكسر فالسكون: ما رئي من المناظر، نقل في مجمع البيان عن بعضهم: أنه اسم لما ظهر وليس بالمصدر وإنما المصدر الرأي والرؤية يدل على ذلك قوله: " يرونهم مثليهم رأى العين فالرأي: الفعل، والرءي المرئي كالطحن والطحن والسقي والسقي والرمي والرمي. انتهى.
ولما احتج الكفار على المؤمنين في حقية ملتهم وبطلان الدعوة النبوية التي آمن به المؤمنون بأنهم خير مقاما وأحسن نديا في الدنيا وقد فاتهم أن للانسان حياة خالدة أبدية لا منتهى لها وإنما سعادته في سعادتها والأيام القلائل التي يعيش فيها في الدنيا لا قدر لها قبال ما لا نهاية له ولا أنها تغني عنه شيئا.
على أن هذه التمتعات الدنيوية لا تحتم له السعادة ولا تقيه من غضب الله إن حل به يوما وما هو من الظالمين ببعيد، فليسوا في أمن من سخط الله ولا طيب في عيش يهدده الهلاك ولا في نعمة كانت في معرض النقمة والخيبة.
أشار إلى الجواب عنه بقوله: " وكم أهلكنا قبلهم " والظاهر أن الجملة حالية وكم خبرية لا استفهامية، والمعنى: أنهم يتفوهون بهذه الشبهة الواهية - نحن خير منكم مقاما وأحسن نديا - استخفافا للمؤمنين والحال أنا أهلكنا قرونا كثيرة قبلهم هم أحسن من حيث الأمتعة والمناظر.