وثانيا: قوله: (عند الله) وقوله: (في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض) فان هذه القيود تدل على أن هذه العدة لا سبيل للتغير والاختلاف إليها لكونها عند الله كذلك ولا يتغير علمه، وكونها في كتاب الله كذلك يوم خلق السماوات والأرض فجعل الشمس تجرى لمستقر لها، والقمر قدره منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون فهو الحكم المكتوب في كتاب التكوين، ولا معقب لحكمه تعالى.
ومن المعلوم ان الشهور الشمسية وضعية اصطلاحية وإن كانت الفصول الأربعة والسنة الشمسية على غير هذا النعت فالشهور الاثنا عشر التي هي ثابتة ذات أصل ثابت هي الشهور القمرية.
فمعنى الآية ان عدة الشهور اثنا عشر شهرا تتألف منها السنون، وهذه العدة هي التي في علم الله سبحانه، وهى التي أثبتها في كتاب التكوين يوم خلق السماوات والأرض وأجرى الحركات العامة التي منها حركة الشمس وحركة القمر حول الأرض وهى الأصل الثابت في الكون لهذه العدة.
ومن هنا يظهر فساد ما ذكره بعض المفسرين ان المراد بكتاب الله في الآية القرآن أو كتاب مكتوب فيه عدة الشهور على حد الكتب والدفاتر التي عندنا المؤلفة من قراطيس وأوراق يضبط فيها الألفاظ بخطوط خاصة وضعية.
قوله تعالى: (منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم) الحرم جمع حرام وهو الممنوع منه، والقيم هو القائم بمصلحة الناس المهيمن على إدارة أمور حياتهم وحفظ شؤونها.
وقوله: (منها أربعة حرم) هي الأشهر الأربعة: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب بالنقل القطعي، والكلمة كلمة تشريع بدليل قوله: (ذلك الدين القيم) الخ.
وإنما جعل الله هذه الأشهر الأربعة حرما ليكف الناس فيها عن القتال وينبسط عليهم بساط الامن، ويأخذوا فيها الأهبة للسعادة، ويرجعوا إلى ربهم بالطاعات والقربات.
وكانت حرمتها من شريعة إبراهيم، وكانت العرب تحترمها حتى في الجاهلية