عن نفوسهم باهدار الدماء فلا مانع من أي نازلة نزلت بهم، وفي قوله: (حيث وجدتموهم) تعميم للحكم فلا مانع حاجب عن وجوب قتلهم حيثما وجدوا في حل أو حرم بل ولو ظفر بهم في الشهر الحرام - بناء على تعميم (حيث) للزمان والمكان كليهما - فيجب على المسلمين كائنين من كانوا إذا ظفروا بهم ان يقتلوهم، كان ذلك في الحل أو الحرم في الشهر الحرام أو غيره.
وانما أمر بقتلهم حيث وجدوا للتوسل بذلك إلى إيرادهم مورد الفناء والانقراض، وتطييب الأرض منهم، وإنجاء الناس من مخالطتهم ومعاشرتهم بعد ما سمح وأبيح لهم ذلك في قوله: (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر).
ولازم ذلك أن يكون كل من قوله: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) وقوله:
(وخذوهم) وقوله: (واحصروهم) وقوله: (واقعدوا لهم كل مرصد) بيانا لنوع من الوسيلة إلى افناء جمعهم وانفاد عددهم، ليتفصى المجتمع من شرهم.
فان ظفر بهم وأمكن قتلهم قتلوا، وان لم يمكن ذلك قبض عليهم وأخذوا، وان لم يمكن أخذهم حصروا وحبسوا في كهفهم ومنعوا من الخروج إلى الناس ومخالطتهم وان لم يعلم محلهم قعد لهم في كل مرصد ليظفر بهم فيقتلوا أو يؤخذوا.
ولعل هذا المعنى هو مراد من قال: ان المراد: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم أو خذوهم واحصروهم على وجه التخيير في اعتبار الأصلح من الامرين، وان كان لا يخلو عن تكلف من جهة اعتبار الاخذ والحصر والقعود في كل مرصد أمرا واحدا في قبال القتل، وكيف كان فالسياق إنما يلائم ما قدمناه من المعنى.
واما قول من قال: ان في قوله: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم، تقديما وتأخيرا، والتقدير: فخذوا المشركين حيث وجدتموهم واقتلوهم فهو من التصرف في معنى الآية من غير دليل مجوز، والآية وخاصة ذيلها يدفع ذلك سياقا.
ومعنى الآية: فإذا انسلخ الأشهر الحرم وانقضى الأربعة الأشهر التي أمهلناهم بها بقولنا: (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) فأفنوا المشركين بأي وسيلة ممكنة رأيتموها أقرب وأوصل إلى إفناء جمعهم وإمحاء رسمهم من قتلهم أينما وجدتموهم من حل أو حرم