وبذلك يظهر ما في قول بعضهم: إن المراد بالمتقين الذين يتقون نقض العهد من غير سبب، وذلك أن التقوى بمعنى الورع عن محارم الله عامة كالحقيقة الثانية في القرآن فيحتاج إرادة خلافه إلى قرينة صارفة.
قوله تعالى: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد) أصل الانسلاخ من سلخ الشاة وهو نزع جلدها عنها، وانسلاخ الشهر نوع كناية عن خروجه، والحصر هو المنع من الخروج عن محيط، والمرصد اسم مكان من الرصد بمعنى الاستعداد للرقوب.
قال الراغب: الرصد الاستعداد للترقب يقال: رصد له وترصد وأرصدته له، قال عز وجل: (وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل)، وقوله عز وجل: (إن ربك لبالمرصاد) تنبيها أنه لا ملجا ولا مهرب، والرصد يقال للراصد الواحد والجماعة الراصدين وللمرصود واحدا كان أو جمعا، وقوله تعالى: (يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا) يحتمل كل ذلك، والمرصد موضع الرصد. انتهى.
والمراد بالأشهر الحرم هي الأربعة الأشهر: أشهر السياحة التي ذكرها الله سبحانه في قوله: (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) وجعلها أجلا مضروبا للمشركين لا يتعرض فيها لحالهم وأما الأشهر الحرم المعروفة أعني ذا القعدة وذا الحجة والمحرم فإنها لا تنطبق على أذان براءة الواقع في يوم النحر عاشر ذي الحجة بوجه كما تقدمت الإشارة إليه.
وعلى هذا فاللام في الأشهر الحرم للعهد الذكرى أي إذا انسلخ هذه الأشهر التي ذكرناها حرمناها للمشركين لا يتعرض لحالهم فيها فاقتلوا المشركين الخ.
ويظهر بذلك ان لا وجه لحمل قوله: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم) على انسلاخ ذي القعدة وذي الحجة والمحرم بأن يكون انسلاخ الأربعة الأشهر بانسلاخ الأشهر الثلاثة منطبقا عليه أو يكون انسلاخ الأشهر الحرم مأخوذا على نحو الإشارة إلى انقضاء الأربعة الأشهر وان لم ينطبق الأشهر على الأشهر فان ذلك كله مما لا سبيل إليه بحسب السياق وان كان لفظ الأشهر الحرم في نفسه ظاهرا في شهور رجب وذي القعدة وذي الحجة والمحرم.
وقوله: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) محقق للبراءة منهم ورفع الاحترام