وذلك أنها تدل على أن المادة الأرضية على اختلافها في أوصافها لها ارتباط بأحوال الانسان وأوصافه من حيث الصلاح والطلاح على حسب ما نشاهده في الخارج أن اختلاف المواد لها تأثير ما قطعي في اختلاف الصور الطارئة عليها والآثار البارزة منها وإن كان ذلك على الاقتضاء دون العلية التامة.
فقوله عليه السلام: إن الانسان مخلوق من الطين ثم قوله: إن أصله من الجنة أو من النار يفيد أن من الأرض ما هو من الجنة ومنها ما هي من النار وإليهما يؤول فإنها تصير إنسانا ثم يسلك إلى الجنة أو إلى النار، وإنما يسلك إلى كل منهما ما يناسبها في مادة الخلقة فهذا الموجود المادي الأرضي هو الذي يصفو فيدخل الجنة ويكون طينه طين الجنة، أو يزيد في التكدر والانحطاط فيدخل النار فيكون وقودا لها.
ويشعر به بعض الاشعار قوله تعالى حكاية عن أهل الجنة: " الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء " الآية الزمر: 74، فإن ظاهر الآية أن المراد من الأرض هو هذه الأرض يسكنها الانسان ويموت فيها ويبعث منها، وهي المرادة من الجنة، وإليه يشير أيضا قوله تعالى: " يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات " إبراهيم: 48.
فكان المراد بطينة الجنة والنار في الروايات الطينة التي ستكون من أجزاء الجنة أو النار، وخاصة بالنظر إلى بعض تعبيراته كقوله عليه السلام: من طينة عليين ومن طينة سجين ومن طينة الجنة ومن طينة النار.
وعلى هذا فالمراد أن الانسان مأخوذ بحسب تركيب أجزاء بدنه من المادة الأرضية أما مادة طيبة أو مادة خبيثة، وهي بحسب وصفها البارز فيها مؤثرة في الانسان في إدراكاته وعواطفه الباطنية وقواه ثم إذا شرعت قواه وعواطفه المناسبة لمادته في العمل تأيدت أعمال المادة بأعمال العواطف والقوى وبالعكس ولم يزل على ذلك يشتد أمره حتى يتم إنسانا سعيدا أو شقيا على حسب ما نظمه الله من عمل الأسباب وأراده ولله فيه البداء بتسليط سبب آخر أقوى من الأسباب الموجودة الفعالة يبدل مجرى سير الانسان ويمنع من تأثير الأسباب المخالفة له.
ترى الانسان المتكون من نطفة صالحة غير مؤفة مرباة في رحم سالمة وممدة