ولعله إليه الإشارة بالقضاء بالحق في قوله: " وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجئ بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون " الزمر: 69 والكتاب الذي ذكر الله أنه يوضع يومئذ - وإنما يوضع للحكم به - هو الذي أشار إليه بقوله: " هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق " الجاثية: 29، فالكتاب يعين الحق وما اشتمل عليه العمل منه، والوزن يشخص مقدار الثقل.
وعلى هذا فالوزن في الآية بمعنى الثقل دون المعنى المصدري، وإنما عبر بالموازين بصيغة الجمع في قوله:، " فمن ثقلت موازينه " " ومن خفت موازينه " الدال على أن لكل أحد موازين كثيرة من جهة اختلاف الحق الذي يوزن به باختلاف الأعمال فالحق في الصلاة وهو حق الصلاة غير الحق في الزكاة والصيام والحج وغيرها، وهو ظاهر، فهذا ما ينتجه البيان السابق.
والذي ذكره جمهور المفسرين في معنى قوله: " والوزن يومئذ الحق " أن الوزن مرفوع على الابتداء ويومئذ ظرف والحق صفة الوزن وهو خبره والتقدير: والوزن يومئذ الوزن الحق وهو العدل، ويؤيده قوله تعالى في موضع آخر: " ونضع الموازين القسط ليوم القيامة " الأنبياء: 47.
وربما قيل: إن الوزن مبتدأ وخبره يومئذ والحق صفة الوزن والتقدير والوزن الحق إنما هو في يوم القيامة وقال في الكشاف: ورفعه يعني الوزن على الابتداء وخبره يومئذ، والحق صفته أي والوزن يوم يسأل الله الأمم ورسلهم الوزن الحق أي العدل (انتهى) وهو غريب إلا أن يوجه بحمل قوله: الوزن الحق " الخ " على الاستئناف.
وقوله تعالى: " فمن ثقلت موازينه " الموازين جمع ميزان على ما تقدم من البيان ويؤيده الآية المذكورة آنفا: " ونضع الموازين القسط ليوم القيامة " والأنسب بما ذكره القوم في معنى قوله: " والوزن يومئذ الحق " أن يكون جمع موزون وهو العمل وإن إمكن أن يجعل جمع ميزان ويوجه تعدد الموازين بتعدد الأعمال الموزونة بها.
لكن يبقى الكلام على قول المفسرين أن الوزن الحق هو العدل في تصوير معنى ثقل الموازين بالحسنات وخفتها بالسيئات فإن فيما يوزن به الأعمال حسناتها وسيئاتها خفاء، والقسط وهو العدل صفة للتوزين وهو نعت لله سبحانه على ما يظهر من قوله: