القرآن في الإسلام - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ٢٨
لماذا تكلم القرآن بأسلوب الظاهر والباطن:
1 الانسان في حياته البدائية القصيرة الدنيوية يشبه الحبات (1) الذي يعلو الماء، إذ ركز أوتاد خباء وجوده في مياه بحر المادية وكل ما يقوم به من المساعي والجهود أعطيت أزمتها بيد ذلك البحر المادي الهائج.
اشتغلت حواسه الظاهرية والباطنية بالمادة، وأفكاره انما تتبع معلوماته الحسية. فان الأكل والشرب والجلوس والقيام والتكلم والاستماع والذهاب والاياب والحركة والسكون وكل ما يقوم به الانسان من الأعمال والأفعال وضعت أسسها على المادة ولا يفكر الا فيها.
وما نراه في بعض الأحيان من الآثار المعنوية - كالحب والعداء وعلو الهمة ورفعة المقام وأمثالها - انما يدركها بعض الأفهام لأنها تجسم مصاديق مادية، فان الانسان يقيس حلاوة الغلب بحلاوة السكر وجاذبية الصداقة بجاذبية المغناطيس وبعلو الهمة بعلو مكان ما أو علو نجوم السماء وعظم المقام ورفعته بعظم الجبل وما أشبه هذه الأشياء.
ومع هذا تختلف الأفهام في ادراك المعنويات التي هي أوسع نطاقا من الماديات، فان بعض الأفهام في غاية الانحطاط في درك المعنويات، وبعضها تدرك ادراكا قليلا، وهكذا تندرج

(1) الحباب بفتح الحاء: الفقاقيع التي تعلو الماء.
(٢٨)
مفاتيح البحث: القرآن الكريم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 ... » »»