فيه يمجه أو في فضائه يلجلجه فانصف لي ما يدريه بان يجذبه ويمصه في فيه ثم إما تعد كرامة وأعجوبة فتح أبواب مشاعره ومعالمه إلى النشآت والعوالم بل نشأته وعوالمه وخيرته وتنبهه بسكانها وقطانها ثم إما ترى تذكره وتحفظه وتعقله ولو سد الله عليه أبواب الجبروت والملكوت لم يقدر على اقتناص الخفيات والنظريات بل على ادراك الجليات والبديهيات ولم يعرف مسلك بيته ولم يميز صديقه عن عدوه ولا منافعه عن مضاره أفرأيتم ان جعل عليكم الليل سرمدا فمن يأتيكم بضياء وانما لا يعرف الانسان قدر هذه ولا يتعجب وفى عمائه وعدم تعجبه أيضا كل العجب لعدم تذكره ونسيانه أيامه التي فيها لم يكن شيئا مذكورا وكان كالحجارة المطروحة والمدرة المنبوذة فتأزر بازار ملكوتي وتخلع برداء جبروتي وتسربل بسربال لاهوتي بعد ما كان في ثوب رث خلق ناسوتى كل ذلك شيئا فشيئا ولحظة فلحظة فمن شاء ان يتذكر فليسترجع حالته التي كان معطلا عن الحلى عريا عن الحلل فكان مدة في هاوية الهيولي والظلمات وحينا في بيداء الجمادات وبرهة في آجام القصيات ومنبت النباتات ووقتا كالديدان في الموحلات وكباقي الجمادات ثم نال ما نال وآل ما آل ولما كان هذا حال جميع أمثالك واخوتك وكل ما خلقت من فضالتك فلو لاحظت الكل في السلسلة المترتبة الصعودية متوجهة إلى الغايات سالكة من البدايات طولا بلا طفرة ولا فترة لرأيت العالم قبل نزول اجلال الحضرة الآدمية مملوة من الجان والمثل المعلقة التي في المثال الأصغر وقبلها مملوة من الجمادات وقبلها من الديدان والحشرات وقبلها اجاما ومنابت وعرفت سر ما ورد من الاخبار في هذا الباب أو من شاء التذكرة فليفرض نفسه نشأ في بيت مظلم لم ير أحدا ولا شيئا من العالم حتى بلغ أشده فإذا خرج وله طينة صافية ومشاعر ذكية وقريحة سليمة وشاهد السماوات الرفيعة والكواكب النيرة البديعة وهذه البسايط والمركبات لقضى اخر العجب بل أشرف من عجبه على العطب وتخبط عقله أو صار مجذوبا فكل موجود وإن كان من أحقر ما يمكن يجرى على يد قدرته ما يعجز عنه غيره فله سبحانه في كل شئ أية لا يراها الا ذو دراية ولكن كاين من أية يمرون عليها وهم عنها معرضون ألم تر إلى النحل ومسدساته والى العنكبوت ومثلثاته وفى العناكب ما جثته بقدر النملة الصغيرة وينسج على الأغصان وغيرها دواير محيطة بعضها على بعض ويفرز من مركزها إلى محيطها أضلاعا مثلثات متساوية الساقات يعجز المهندس عن مثل فعله فهذا المقام أيضا تحت القاعدة الكلية التي أشار العرفاء الشامخون
(٢١٣)