إطلاق الإيمان عليها خاصة كما قال إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون والتقوى المتقدمة عليها هي تقوى الخاص وأواخرها تصديقات كذلك مع شهود وعيان ومحبة كاملة لله عز وجل كما قال يحبهم ويحبونه ويعبر عنها تارة بالاحسان كما ورد في الحديث النبوي (صلى الله عليه وآله وسلم) الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه وأخرى بالايقان كما قال وبالآخرة هم يوقنون والتقوى المتقدمة عليها هي تقوى خاص الخاص وإنما قدمت التقوى على الإيمان لان الإيمان إنما يتحصل ويتقوى بالتقوى لأنها كلما ازدادت ازداد الإيمان بحسب ازديادها وهذا لا ينافي تقدم أصل الإيمان على التقوى بل ازدياده بحسب ازديادها أيضا لان الدرجة المتقدمة لكل منها غير الدرجة المتأخرة ومثل ذلك مثل من يمشي بسراج في ظلمة فكلما أضاء له من الطريق قطعة مشى فيها فيصير ذلك المشي سببا لإضاءة قطعة أخرى منه وهكذا.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) قال أتي عمر بقدامة بن مظعون قد شرب الخمر وقامت عليه البينة فسأل أمير المؤمنين (عليه السلام) فأمره أن يجلده ثمانين فقال قدامة يا أمير المؤمنين ليس علي حد أنا من أهل هذه الآية ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا قال قال علي صلوات الله وسلامه عليه لست من أهلها ان طعام أهلها لهم حلال ليس يأكلون ولا يشربون إلا ما أحله الله لهم ثم قال علي (عليه السلام) إن الشارب إذا شرب لم يدر ما يأكل ولا ما يشرب فاجلدوه ثمانين جلدة.
أقول: في قوله (عليه السلام) إلا ما أحله الله لهم تنبيه على أنهم يحترزون عن الشبهات بل عن كل ما يمنعهم من الشهود مع الله والجناح في الآية نكرة في سياق النفي يعم أدنى مراتبه كاستحقاق العقاب والسر فيه أن شكر نعم الله تعالى أن تصرف في طاعة الله سبحانه على وجهها فليتدبر فيه وعلى ما حققناه أن صح إن سبب نزول هذه الآية ما ذكره القمي موافقا لطائفة من المفسرين فمعنى الآية إن الذين كانوا يشربون الخمر قبل نزول تحريمها إذا كانوا بهذه المثابة من الإيمان والتقوى والعمل الصالح فلا جناح عليهم في شربها.