قريش وقوتهم فأنزل الله تعالى على رسوله (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله) وقد علم الله أنهم لا يجنحون ولا يجيبون إلى السلم وإنما أراد الله تعالى بذلك لتطيب قلوب أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى قريش فقال:
يا معشر قريش ما أجد من العرب أبغض إلي من أبدأكم فخلوني والعرب فإن أك صادقا فأنتم أعلا بي عينا، وإن أك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب أمري، فارجعوا.
فقال عتبة: والله ما أفلح قوم قط ردوا هذا، ثم ركب جملا له أحمر فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجول في العسكر وينهى عن القتال، فقال: إن يكن عند أحد خير فعند صاحب الجمل الأحمر إن تطيعوه ترشدوا فأقبل عتبة يقول: يا معشر قريش اجتمعوا واسمعوا، ثم خطبهم فقال:
يمن مع (1) رحب، ورحب مع يمن، يا معشر قريش أطيعوني اليوم واعصوني الدهر، وارجعوا إلى مكة واشربوا الخمور وعانقوا الحور، فإن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم إل (2) وذمة وهو ابن عمكم فارجعوا ولا تردوا رأيي وإنما تطالبون محمدا بالعير التي أخذها محمد بنخله ودم ابن الحضرمي وهو حليفي وعلي عقله.
فلما سمع أبو جهل ذلك غاضه وقال: إن عتبة أطول الناس لسانا، وأبلغهم في الكلام ولئن رجعت قريش بقوله ليكونن سيد قريس إلى آخر الدهر، ثم قال: يا عتبة نظرت إلى سيوف بني عبد المطلب وجبنت وانتفخ سحرك (3) وتأمر الناس بالرجوع وقد رأينا آثارنا بأعيننا، فنزل عتبة عن جمله وحمل على أبي جهل، وكان على فرس فأخذ بشعره، فقال الناس: يقتله فعرقب فرسه، فقال: أمثلي يجبن؟ وسيعلم قريش اليوم أينا الألئم والأجبن وأينا المفسد لقومه، لا يمشي إلا أنا وأنت بالموت عيانا، ثم قال هذا جناي وخياره