الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٤ - الصفحة ١٢٠
قوله تعالى (ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره) قال فيه (قوله بالغ أمره بيان لوجوب التوكل على الله وتفويض الأمر إليه الخ) قال أحمد: ليس بعشك فادرجي، أيرى القدري التسليم للقدر، وليس هذا دينه ولا معتقده من تقسيم الحوادث ثلاثة أقسام: فمنها ما يريد الله تعالى وجوده وهو المأمورات ولا يقع أكثر مراده منها، ومنها ما يريد عدمه وهو المنهيات فيوجد أكثرها على خلاف مراده، ومنها مالا يريد عدمه ولا وجوده فإن وجد فبغير إرادته عز وجل وإن عدم فكذلك، فيتحصل من هذا الهذيان الذي لا يتصور أن الكائنات إنما تتبع إرادة الخلق لأنها لا تقع إلا بها، فإن وافقت إرادة الله تعالى فليس وقوعها تابعا لها لأنها وقعت بدونها، وإن خالفت إرادة الله تعالى لم يكن لمخالفتها للإرادة الربانية تأثير في منع وقوعها، فمن يتوغل في أدغال هذا الضلال كيف له بالتوكل الذي يتوقف على اعتقاد أن الكائنات جميعها إنما تتوقف على إرادة الله عز وجل، فمهما أراده وقع ومهما لم يرده لم يقع، شاء العبد أو أبى، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، والعبد مجرى لحدوث الكائنات الواقعة بقدرة الله تعالى وإرادته لا غير، لا راد لأمره ولا معقب لحكمه، فما القدري من هذا المقام الشريف إلا على مراحل لا يقربه إليها إلا راحلة الإنصاف وزاد التقوى ودليل التوفيق، والله حسبنا ونعم الوكيل.
(١٢٠)
مفاتيح البحث: الوقوف (1)، المنع (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 117 118 119 120 121 122 123 124 125 ... » »»