قوله تعالى (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضاة أزواجك) (نقل في سبب نزولها أنه عليه الصلاة والسلام خلا بمارية في يوم عائشة، وعلمت بذلك حفصة فقال لها: اكتمى على وقد حرمت مارية على نفسي الخ) قال أحمد: ما أطلقه الزمخشري في حق النبي صلى الله عليه وسلم تقول وافتراء، والنبي صلى الله عليه وسلم منه براء، وذلك أن تحريم ما أحله الله على وجهين: اعتقاد ثبوت حكم التحريم فيه فهذا بمثابة اعتقاد حكم التحليل فيما حرمه الله عز وجل وكلاهما محظور لا يصدر من المتسمين بسعة الإيمان وإن صدر سلب المؤمن حكم الإيمان، واسمه الثاني الامتناع مما أحله عز وجل وحمل التحريم بمجرده صحيح لقوله - وحرمنا عليه المراضع من - قبل: أي منعنا لا غير، وقد يكون مؤكدا باليمين مع اعتقاد حله، وهذا مباح صرف وحلال محض، ولو كان على المنع ترك المباح والامتناع منه غير مباح استحالت حقيقة الحال بلا إشكال، فإذا علمت بون ما بين القسمين فعلى القسم الثاني تحمل الآية، والتفسير الصحيح يعضده، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حلف بالله لا أقرب مارية، ولما نزلت الآية كفر عن يمينه ويدل عليه - قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم - وقال مالك في المدونة عن زيد بن أسلم: إنما كفر النبي صلى الله عليه وسلم في تحريمه أم ولده لأنه حلف أن لا يقربها. ومثله عن الشعبي وهذا المقدار مباح ليس في ارتكابه جناح، وإنما قيل له: لم تحرم ما أحل الله لك رفقا به وشفقة عليه وتنويها لقدره ولمنصبه صلى الله عليه وسلم أن يراعى مرضات أزواجه بما يشق عليه جريا على ما ألف من لطف الله تعالى بنبيه ورفعه عن أن يخرج بسبب أحد من البشر الذين هم أتباعه ومن أجله خلقوا ليظهر الله كمال نبوته بظهور نقصانهم عنه، والزمخشري قطعا لم يحمل التحريم على هذا الوجه، لأنه جعله زلة فيلزمه أن يحمله على المحمل الأول، (*)
(١٢٥)