الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٤ - الصفحة ٩٨
قوله تعالى (وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون) الآية، قال فيه (بين أنهم على عكس الصواب حيث قال: تؤذونني عالمين الخ) قال أحمد: أهل العربية تقول: إن قد تصحب الماضي لتقريبه من الحال، ومنه قول المؤذن قد قامت الصلاة، وتشتمل المصاحبة للماضي أيضا على معنى التوقع فلذلك قال سيبويه: قد فعل جواب لما يفعل، وقال الخليل: هذا الخبر لقوم ينتظرونه، وأما مع المضارع فإنها تفيد التقليل مثل ربما كقولهم:
إن الكذوب قد يصدق، فإذا كان معناها مع المضارع التقليل وقد دخلت في الآية على مضارع، فالوجه والله أعلم أن يكون هذا من الكلام الذي يقصدون به الإفراط فيما ينعكس عنه، وتكون قد في هذا المعنى نظيره ربما في قوله - ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين - فإنها في هذا الموضع أبلغ من كم في التكثير، فلما أوردت ربما في التكثير على عكس معناها الأصلي في التقليل فكذلك إيراد قد ههنا لتكثير علمهم: أي تحقيق تأكيده على عكس معناها الأصلي في تقليل الأصل، وعليه * قد أترك القرن مصفرا أنامله * وإنما مدح نفسه بكثرة هذا الفعل منه عكس ديدنه الأصلي. ولا يقال: إن حملها في الآية على التكثير متعذر لأن العلم معلوم التعلق لا يتكثر ولا يتقلل. لأنا قول: يعبر عن تمكن الفعل وتحققه وتأكده وبلوغه الغاية في نوعه بما يعبر به عن التكثير وهو تعبير صحيح، ألا ترى أن قوله - ربما يود الذين كفروا - هو من هذا القبيل فإن المراد شدة ودهم لذلك وبلوغه أقصى منتهاه لا غير، والله الموفق.
قال الزمخشري (وإنما قال: يا بني إسرائيل ولم يقل يا قوم لأنه لم يكن له صلوات الله على نبينا وعليه نسب
(٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 ... » »»