التحسين والتقبيح فهو غير بعيد من أصحاب السعير، وإن عنى أن العقل يرشد إلى العقائد الصحيحة والسمع يختص بالأحكام الشرعية فهو مع أهل السنة. عاد كلامه، قال (ومن بدع التفاسير أن المراد لو كنا على مذهب أصحاب الحديث أو على مذهب أصحاب الرأي الخ) قال أحمد: ولو تفطن نبيه لهذه الآية لعدها دليلا على تفضيل السمع على البصر فإنه قد استدل على ذلك بأخفى منها.
قوله تعالى (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) قال فيه (أنكر أن لا يحيط علما بالسر والجهر من خلق ذلك الخ) قال أحمد: هذه الآية رد على المعتزلة وتصحيح للطريق التي يسلكها أهل السنة في الرد عليهم، فإن أهل السنة يستدلون على أن العبد لا يخلق أفعاله بأنه لا يعلمها، وهو استدلال بنفي اللازم الذي هو العلم على نفى الملزوم الذي هو الخلق وبهذه الملازمة دلت الآية، فإن الله تعالى أرشد إلى الاستدلال على ثبوت العلم له عز وجل بثبوت الخلق، وهو استدلال بوجود الملزوم على وجود اللازم فهو نور واحد يقتبس منه ثبوت العلم للباري عز وجل وإبطال خلق العبد لأفعاله. وإعراب الآية ينزل على هذا المعنى، فإن الوجه فيها أن يكون من فاعلا مرادا به الخالق ومفعول العلم محذوف تقديره ذلك إشارة إلى السر والجهر، ومفعول خلق محذوف ضميره عائد إلى ذلك، والتقدير في الجميع: ألا يعلم السر والجهر من خلقهما، ومتى حذونا غير هذا الوجه من الإعراب ألقانا إلى مضايق التكلف والتعسف، فمن المحتمل أن يكون من مفعولة واقعة على فاعل السر والجهر، والتقدير: ألا يعلم الله المسرين والجاهرين، وليس مطابقا للمفصل فإنه لم يقع على ذوات الفاعلين وإنما وقع على أفعالهم من السر والجهر وعليه وقع الاستدلال، ويحتمل غير ذلك أبعد منه والأول هو الأولى لفظا ومعنى، والله الموفق.