فقيل له: إنك مع كثرة نسائك لم يكن ينبغي لك أن تسأل رجلا ليس له إلا امرأة واحدة النزول عنها وكان الأفضل قهر الهوى. وقيل خطبها أوريا ثم خطبها داود، فرغب إليه أهلها، فاندرج في الخاطب على خطبة أخيه. وأما ما يذكر أن داود تمنى منزلة آبائه الأنبياء فقيل له إنهم ابتلوا فصبروا فسأل الابتلاء ليصبر، فقيل له إنك تبتلى يوم كذا فاحترس ذلك اليوم، وأغلق عليه محرابه فتمثل له الشيطان في صورة حمامة ذهب، فمد يده ليأخذها لولد صغير فطارت فتبعها فرأى المرأة قد نقضت شعرها، فبعث إلى أيوب صاحب بعث البلقاء أن قدم أوريا إلى التابوت وهو من غزاة البلقاء، وكان المتقدم إليه يحرم عليه الرجوع حتى يفتح الله على يده أو يستشهد، فقدم فسلم فأمر بتقديمه مرة أخرى وثالثة فقتل، فلم يحزن عليه كحزنه على الشهداء، وتزوج امرأته المذكورة، فهذا ونحوه مما يقبح الحديث به عن متسم بصلاح من آحاد المسلمين فضلا عن بعض أعلام الأنبياء. وعن سعيد بن المسيب أن علي بن أبي طالب قال: من حدثكم قصة داود كما يرويها القصاص جلدته مائة وستين حد الفرية مضاعفا. روى أن عمر بن عبد العزيز حدثه رجل بذلك بحضرة عالم محقق فكذب الحديث بذلك وقال: إن كانت القصة على ما في كتاب الله فالتماس خلافها فرية، وإن كانت على ما ذكرت وكف الله عنها سترا لنبيه عليه السلام فما ينبغي لك إظهار ما ستره الله تعالى، فقال عمر بن عبد العزيز: استماعي هذا الكلام أحب إلى مما طلعت عليه الشمس.
قال الزمخشري: والذي يدل عليه المثل الذي ضربه الله أن قصته ليست إلا طلبه إلى زوج المرأة أن ينزل له عنها فقط، ثم نبه الزمخشري على محبئ الإنكار على طريقة التمثيل والتعريض دون التصريح، وذلك أن التعريض داع إلى التأمل والتنبيه لوجه الخطأ مع ما فيه من اجتناب المجاهرة في الإنكار والتوبيخ له، وألقاه بطريق التمثل ليستقبح ذلك من غيره فيجعله مقياسا لاستقباح ذلك من نفسه مع البقاء على الحشمة كما أوصى الحكماء بذلك في سياسة الوالد لولده إذا خصلت منه هنة منكرة: قال: وجاء ذلك على وجه التحاكم ليحكم بقوله: لقد ظلمك فتقوم الحجة عليه محكمة. قال وقوله: وهل أتاك، جاء على وجه الاستفهام تنبيها على أن هذه قصة عجيبة من حقها أن تشيع ولا تخفى على أحد وتشويقا إلى سماعها أيضا. وقال في قوله: هذا أخي، الأخوة كيفما كانت: إما من الصداقة، أو من الدين، أو من الشركة، والخلطة تدلى بحق مانع من الاعتداء والظلم فلذلك قال: إن هذا أخي، وقال في الخطاب: يحتمل أن يكون من المخاطبة، ومعناه: أتاني بما لم أقدر على رده من الجدال، ويحتمل أن يكون من الخطبة مفاعلة: أي خطبت فخطب على خطبتي فغلبني، والمفاعلة لأن الخطبة صدرت منهما جميعا. وقال