الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٢ - الصفحة ١١٢
يجمل لذلك إلا اعتقاد أنه سمع الكلام القديم القائم بذات الله سبحانه وتعالى بلا واسطة دليل عليه من حروف ولا غيرها، وكما أجزنا من العقول أن ترى ذات الباري سبحانه وتعالى وإن لم يكن جسما، فكذلك نجيز أن يسمع كلامه وإن لم يكن حرفا ولا صوتا، والكلام في هذه العقيدة طويل والشوط بطين، وهذه النكتة هي الخاصة بهذه الآية، والله الموفق. عاد كلامه، قال (وقوله أرني أنظر إليك محذوف المفعول الأول مذكور الثاني، والتقدير: أرني نفسك أنظر إليك الخ) قال أحمد: ما أشد ما اضطرب كلامه في هذه الآية، لأن غرضه أن يدحض الحق بالضلالة ويشين بكفه وجه الغزالة، هيهات قد تبين الصبح لذي عينين، فالحق أبلج لا يمازجه ريب إلا عند ذي رين. أما حظ المعقول من إجازة رؤية الله تعالى فوظيفة علم الكلام، وأخصر وجه في إجادة ذلك أن الوجود مصحح الرؤية، بدليل أن جواز الرؤية حكم يستدعي مصححا، وقد شمل الجواز الجوهر والعرض، ولا جامع بينهما يمكن جعله مصححا سوى الوجود، وإذا كان الوجود هو المصحح فقد صحت رؤيته تعالى لوجوده وأما استبعاد أن يرى ما ليس في جهة فأمر وهمي مثله عرض للمعطلة فعميت بصائرهم حتى أنكروا موجودا لا في جهة، ومن اتبع الأوهام اغتسق مهامه الضلال وهام ولو كانت الرؤية تتوقف على جهة المرئي لكانت المعرفة تتوقف على جهة المعروف، ولا خلاف أنه سبحانه يعرف لا في جهة فكذلك يرى لا في جهة. فالحق أن موسى عليه السلام إنما طلب الرؤية لنفسه لعلمه بجواز ذلك على الله تعالى، والقدرية يجبرهم الطمع ويجرؤهم حتى يروموا أن يجعلوا موسى عليه السلام كان على معتقدهم وما هم حينئذ إلا ممن آذوا موسى، فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها. وأما قوله عليه السلام - أتهلكنا بما فعل السفهاء منا - تبريا من أفاعيلهم وتسفيها لهم وتضليلا لرأيهم فلا راحة للقدرية في الاستشهاد به على إنكار موسى عليه السلام لجواز الرؤية، فإن الذي كان الإهلاك بسببه إنما هو عبادة العجل في قول أكثر المفسرين ثم وإن كان السبب طلبهم للرؤية فليس لأنه غير جائزة على الله، ولكن لأن الله تعالى أخبر أنها لا تقع في دار الدنيا، والخبر صدق وذلك بعد سؤال موسى للرؤية، فلما سألوه وقد سمعوا الخبر بعد وقوعها كان طلبهم خلاف المعلوم تكذيبا للخبر، فمن ثم سفههم موسى عليه السلام. وتبرأ من طلب ما أخبر
(١١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 106 107 108 109 111 112 113 114 115 116 120 ... » »»