الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٢ - الصفحة ٥٠
قوله تعالى (قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم) قال (معنى هذا الاستثناء أنهم يخلدون في عذاب النار الأبد كله الخ) قال أحمد: قد ثبت خلود الكفار في العذاب ثبوتا قطعيا، فمن ثم اعتنى العلماء بالكلام على الاستثناء في هذه الآية وفي أختها في سورة هود، فذهب بعضهم إلى أنها شاملة لعصاة الموحدين وللكفار، والمستثنى العصاة لأنهم لا يخلدون، وهذا تأويل أهل السنة، وقد غلط الزمخشري في إنكاره في آية هود وتناهى إلى ما نعوذ بالله منه، فقدح في عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه راوي الحديث الشاهد لهذا التأويل، ونحن نبرأ إلى الله تعالى من القدح في مثل عبد الله وهو من جملة الصحابة رضوان الله عليهم وفقهائهم وزهادهم. وذهب بعضهم إلى أن هذا الاستثناء محدود بمشيئة رفع العذاب: أي مخلدون إلا أن يشاء الله لو شاء، وفائدته إظهار القدرة والإعلان بأن خلودهم إنما كان لأن الله تعالى قد شاءه وكان من الجائز العقلي في مشيئته أن لا يعذبهم ولو عذبهم لا يخلدهم، وأن ذلك ليس بأمر واجب عليه وإنما هو مقتضى مشيئته وإرادته عز وجل، وفيها على هذا الوجه دفع في صدر المعتزلة الذين يزعمون أن تخليد الكفار واجب على الله تعالى بمقتضى الحكمة، وأنه لا يجوز في العقل أن يشاء خلاف ذلك. وذهب الزجاج إلى وجه لطيف إنما يظهر بالبسط فقال: المراد والله أعلم إلا ما شاء من زيادة العذاب ولم يبين وجه استقامة الاستثناء والمستثنى على هذا التأويل لم يغاير المستثنى منه في الحكم، ونحن نبينه فنقول: العذاب والعياذ بالله على درجات متفاوتة، فكأن المراد أنهم مخلدون في حبس العذاب
(٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 50 51 53 54 55 56 ... » »»