الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٢ - الصفحة ٤٤
إثباته المكافأة وأنت تعلم نفيها، فإن انعكس الامر فقال لك: لا تكرمه فإنه لا يكافئك، وكنت تعلم منه المكافأة فأنكرت على المشير بحرمانه. قلت: وما يدريك أنه لا يكافئني؟ تريد وأنا أعلم منه المكافأة، فكان مقتضى الإنكار على المؤمنين الذين أحسنوا الظن بالمعاندين فاعتقدوا أنهم يؤمنون عند نزول الآية المقترحة أن يقال: وما يدريكم أنها إذا جاءت يؤمنون، كما تقول في المثال منكرا على من أثبت المكافأة وأنت تعلم خلافها: وما يدريك أنه يكافئني بإسقاط لا، وإن أثبتها انعكس المعنى إلى أن المعلوم لك الثبوت وأنت تنكر على من نفى، فلما جاءت الآية تفهم ببادئ الرأي أن الله تعالى علم الإيمان منهم وأنكر على المؤمنين نفيهم له، والواقع على خلاف ذلك.
اختلف العلماء فحمل بعضهم " لا " على الزيادة، وبعضهم أول أن بلعل، وبعضهم جعل الكلام جواب قسم محذوف، وقد تفتح أن بعد القسم فقال التقدير: والله إنها إذا جاءت لا يؤمنون. وأما الزمخشري فتفطن لبقاء الآية على ظاهرها وقرارها في نصابها من غير حذف ولا تأويل فقالوا قوله السالف. ونحن نوضح اضطراده في المثال المذكور ليتضح بوجهيه في الآية فنقول: إذا حرمت زيدا لعلمك بعدم مكافأته فأشير عليك بالإكرام بناء على أن المشير يظن المكافأة فلك معه حالتان: حالة تنكر عليه ادعاء العلم بما يعلم خلافه، وحالة تعذره في عدم العلم بما أحطت به علما، فإن أنكرت عليه قلت: وما يدريك أنه يكافئ، وإن عذرته في عدم علمه بأنه لا يكافئ قلت: وما يدريك أنه لا يكافئ؟ يعني ومن أين تعلم أنت ما علمته أنا من عدم مكافأته وأنت لم تخبر أمره خبري، فكذلك الآية إنما ورد فيها الكلام إقامة عذر للمؤمنين في عدم علمهم بالمغيب في علم الله تعالى وهو عدم إيمان
(٤٤)
مفاتيح البحث: الزمخشري (1)، الظنّ (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 50 ... » »»