قوله تعالى (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق) قال (إن قلت: قد ذهب جماعة من المجتهدين إلى جواز أكل ما لم يذكر اسم الله عليه بنسيان أو عمد الخ) قال أحمد: مذهب مالك وأبي حنيفة سواء في أن متروك التسمية عمدا لا يؤكل سواء كان تهاونا أو غير تهاون، ولأشهب قول شاذ بجواز غير المتهاون في ترك تسميته، والآية تساعد مذهب الإمامين مساعدة بينة، فإنه ذكر عقيب غير المسمى عليه قوله - وإنه لفسق - وذلك إن كان عبارة عن فعل المكلف وهو إهمال التسمية أو تسمية غير الله فلا يدخل النسيان، لأن الناسي غير مكلف فلا يكون فعله فسقا ولا هو فاسق، وإن كان نفس الفسق الذبيحة التي لم يسم عليها ولم يكن مصدرا فإنما تسمى الذبيحة فسقا نقلا لهذا الاسم من المصدر إلى الذات، فالذبيحة التي تركت التسمية عليها نسيانا لا يصح أن تسمى فسقا، إذ الفعل الذي ينقل منه هذا الاسم ليس بفسق، فإذا تمهد ذلك فإما أن يقول لا دليل في الآية على تحريم منسي التسمية فبقي على أصل الإباحة، أو يقول فيها دليل على إباحته من حيث مفهوم تخصيص النهي بما هو فسق، فما ليس بفسق ليس بحرام، وهذا النظر يستند إذا لم تكن الميتة متناولة في هذه الآية، وأما إذا ثبت أنها مرادة تعين صرف الفسق إلى الأكل والمأكول وكان الضمير من قوله " وإنه " عائدا إلى المصدر المنهي عنه أو إلى الموصول وحينئذ يندرج المنسي في النهي ولا يستقيم على أن الميتة مندرجة كاندراج المنسي، لأن الوجه الذي به تندرج الميتة هو الوجه الذي به يندرج المنسي، إذ يكون الفسق إما للأكل وإما للمأكول نقلا من الأكل، ولا ينصرف إلى غير ذلك لأن الميتة لم يفعل المكلف فيها فعلا يسمى فسقا سوى الأكل، والمنسي تسميتها لا يستقيم أن يسمى الذبح فيها فسقا لأجل النسيان فيتعين صرفه إلى الأكل، ومن ثم قوى عند الزمخشري تعميم التحريم حتى في المنسي لأنه يرى أن الميتة مرادة من الآية ولا بد، إذ هي سبب نزول الآية. والتحقيق أن العام الظاهر متى ورد على سبب خاص كان نصا في السبب ظاهرا باقيا على ظهوره فيما عداه، وإذا ثبت اندراج الميتة لزم اندراج المنسي كما تقدم، وحينئذ يضطر مبيح المنسي إلى مخصص فيتمسك بقوله عليه الصلاة والسلام " ذكر الله على قلب كل مؤمن من
(٤٧)