الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٢ - الصفحة ٤٠٣
قوله تعالى (وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين) قال (ومعناه: أن هداية الطريق الموصل إلى الحق واجبة إلخ) قال أحمد: أين يذهب به عن تتمة الآية وذلك قوله تعالى - ولو شاء لهداكم أجمعين - ولو كان الأمر كما تزعم القدرية لكان الكلام وقد هداكم أجمعين، وما كأنهم إلا يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، فإن ذهبوا إلى تأويل الهداية بالقسر والإلجاء فما كأنهم إلا يحرفون الكلم من بعد مواضعه، وأما المخالفة بين الأسلوبين فلأن سياق الكلام لإقامة حجة الله تعالى على الخلق بأنه السبيل القاصد والجائر، وهدى قوما اختاروا الهدى وأضل قوما اختاروا الضلالة لأنفسهم، وقد تقدم في غير ما موضع أن كل فعل صدر على يد العبد فله اعتباران: هو من حيث كونه موجودا مخلوق لله تعالى ومضاف إليه بهذا الاعتبار، وهو من حيث كونه مقترنا باختيار العبد له وبتأتيه له وتيسره عليه يضاف إلى العبد، وأن تعدد هذين الاعتبارين ثابت في كل فعل، فناسب إقامة الحجة على العباد إضافة الهداية إلى الله تعالى باعتبار خلقه لها، وإضافة الضلال إلى العبد باعتبار اختياره له. والحاصل أنه إذا ذكر في كل واحد من الفعلين نسبة غير النسبة المذكورة في الآخر ليناسب ذلك إقامة
(٤٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 397 398 400 401 402 403 404 405 408 409 412 ... » »»