(إن قلت: قد ذكر عملهم على مكانتهم الخ) قال أحمد: والضاهر والله أعلم أن الكلامين جميعا لهم، فالأول وهو قوله - من يأتيه عذاب يخزيه - مضمن ذكر جرمهم الذي يجازون به وهو الكذب ويكون من باب عطف الصفة على الصفة والموصوف واحد كما تقول لمن تهدده: ستعلم من يهان ومن يعاقب، وإنما يعنى المخاطب في الكلامين فإذا ثبت صرف الكلامين إليهم لم يخل ذلك من دلالة على ذكر عاقبته هو، لأن أحد الفريقين إذا كان مبطلا فالآخر هو المحق قطعا، فذكره لإحدى العاقبتين صريحا يفهم ذكر الأخرى تعريضا، والتعريض كما علمت في لكثير من مواضعه أبلغ وأوقع من التصريح وهذا منه. والذي يدل على أن الكلامين لهما، وأن عاقبة أمر شعيب لم تذكر استغناء عنها بذكر عاقبتهم كما بيناه في الآية التي في أول هذه السورة وهى قوله تعالى - قال إن تسخروا منا فانا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم - ألا تراه كيف اكتفى بذلك عن أن يقول ومن هو على خلاف ذلك، وكذلك قوله في سورة الأنعام - قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار - فذكر هناك أيضا إحدى العاقبتين، لأن المراد بهذه العاقبة عاقبة - الخير، ومتى أطلقت فلا يعنى إلا ذلك كقوله - والعاقبة للمتقين - واستغنى عن ذكر مقابلتها والله أعلم، فتأمل هذا الفصل فإنه تحفة لمن همه نظم درر الكتاب العزيز وضم بعضها إلى بعض، والله الموفق للصواب.
(٢٩٠)