الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ١ - الصفحة ٦٠٧
قوله تعالى (إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين) قال (إن قلت:
كيف جاز أن يريد شقاوة أخيه وتعذبيه الخ) قال أحمد: وهذا من دسه للمعتقد الفاسد في بيان كلامه، والفاسد من هذا اعتقاده أن في الكائنات ما ليس مرادا لله تعالى وتلك القبائح بجملتها، فإنها على زعمه واقعة على خلاف المشيئة الربانية وهذا هو الشرك الخفي، فإياك أن تحوم حول شركه والعياذ بالله، فأما إرادته لاثم أخيه وعقوبته فمعناه: إني لا أريد أن أقتلك فأعاقب. ولما لم يكن بد من إرادة أحد الامرين إما إثمه بتقدير أن يدفع عن نفسه فيقتل أخاه، وإما إثم أخيه بتقدير أن يستسلم، وكان غير مريد للأول اضطر إلى الثاني فلم يرد إذا إثم أخيه لعينه وإنما أراد أن الاثم هو بالمدافعة المؤدية إلى القتل، ولم تكن حينئذ مشروعة فلزم من ذلك إرادة إثم أخيه، وهذا كما يتمنى الانسان الشهادة ومعناها: أن يبوء الكافر بقتله وبما عليه في ذلك من الاثم، ولكن لم يقصد هو إثم الكافر لعينه وإنما أراد أن يبذل نفسه في سبيل الله رجاء إثم الكافر بقتله ضمنا وتبعا، والذي يدل على ذلك أنه لا فرق في حصول درجة الشهادة وفضيلتها بين أن يموت القاتل على الكفر وبين أن يختم له بالايمان فيحبط عنه إثم القتل الذي به كان الشهيد شهيدا: أعني بقى الاثم على قاتله أو حبط عنه، إذ ذلك لا ينقص من فضيلة شهادته ولا يزيدها، ولو كان إثم الكافر بالقتل مقصودا لاختلف التمني باعتبار بقائه وإحباطه فدل على أنه أمر لازم تبع لا مقصود، والله أعلم. عاد كلامه (فإن قلت: لم جاء الشرط بصيغة الفعل والجزاء باسم الفاعل الخ) قال أحمد:
وإنما امتاز اسم الفاعل عن الفعل بهذه الخصوصية من حيث أن صيغة الفعل لا تعطي سوى حدوث معناه من مفاعل لا غير، وأما اتصاف الذات به فذاك أمر يعطيه اسم الفاعل ومن ثم يقولون: قام زيد فهو قائم، فيجعلون اتصافه
(٦٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 600 601 602 603 604 607 608 610 611 612 613 ... » »»