الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ١ - الصفحة ٥٨٣
وصدق الزمخشري وأنصف إنه لمن بدع التفاسير التي ينبو عنها الفهم ولا يبين بها إلا الوهم، والله الموفق. عاد كلامه: قال محمود (فإن قلت كيف يكون للناس على الله حجة قبل الرسل الخ) قال أحمد: قاعدة المعتزلة في التحسين والتقبيح العقليين وتجرئهم إلى إثبات أحكام الله تعالى بمجرد العقل وإن لم يبعث رسولا فيوجبون بعقولهم ويحرمون ويبيحون على وفق زعمهم ومما يوجبونه قبل ورود الشرع النظر في أدلة المعرفة ولا يتوقفون على ورود الشرع الموجب فمن ثم يلزمون بعد خبط وتطويل أن من ترك النظر في الأدلة قبل ورود الشرع فقد ترك واجبا استحق به التعذيب وقد قامت الحجة عليه في الوجوب وإن لم يكن شرع وإذا تليت عليهم هذه الآية وهي قوله - رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل - وقيل لهم ما هذه الآية تناديكم يا معشر القدرية أن الحجة إنما قدمت على الخلق بالأحكام الشرعية المؤدية إلى الجزاء بإرسال الرسل لا بمجرد العقل فما يقولون فيها؟ صمت حينئذ آذانهم وغبروا في وجه هذا النص وغيروه عما هو موضوع له فقالوا: المراد أن الرسل تتمم حجة الله وتنبه على ما وجب قبل بعثها بالنقل كما أجاب به الزمخشري، وقريبا من هذا التعسف يقولون إذا ورد عليهم قوله تعالى - وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا - وربما يدلس على ضعفة المطالعين لهذا الفصل من كلام الزمخشري قوله: إن أدلة التوحيد والمعرفة منصوبة قبل إرسال الرسل، وبذلك تقوم الحجة فتظن أن ذلك جار على سنن الصحة، إذ المعرفة باتفاق والتوحيد بإجماع، إنما طريقه العقل لا النقل الذي يلبس عليه أن النظر في أدلة التوحيد هو فعل المكلف ليس بالحكم الشرعي، بل الحكم وجوب النظر والمعرفة متلقاة من العقل المحض والوجوب متلقى من النقل الصرف، وبه تقوم الحجة وعليه يرتب الجزاء، والله سبحانه ولي التوفيق والمعونة.
قوله تعالى (لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون) قال محمود فيه (إن قلت الاستدراك لا بد له من مستدرك الخ) قال أحمد: ورود هذا الفصل في كلامه مما يغتبط به.
(٥٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 578 579 580 581 582 583 584 585 588 589 590 ... » »»