الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ١ - الصفحة ٥٧٩
للحق ولا متمكنة من قبوله فكذبهم الله في قولهم، لأنه خلق قلوبهم على الفطرة، أي أن الايمان وقبول الحق من جنس مقدورهم كما هو من جنس مقدور المؤمنين، وذلك هو المعبر عنه بالتمكن وبخلقهم ميسرين للايمان متأتيا منهم قبول الحق قامت عليهم حجة الله، إذ يجد الانسان بالضرورة الفرق بين قبول الحق والدخول في الايمان وبين طيرانه في الهواء ومشيه على الماء، ويعلم ضرورة أن الايمان ممكن منه كما يعلم أن الطيران غير ممكن منه عادة، فقد قامت الحجة وتبلجت ألا لله الحجة البالغة، فمن هذا الوجه اتجه الرد عليهم، لا كما يزعمه الزمخشري من أن لهم قدرة على الايمان يلحقونه بها لأنفسهم ويقرونه في قلوبهم، وتلك القدرة موجودة سواء وجد الفعل أو لا كالسيف المعد في يد القاتل للقتل سواء وجد أو لا وأن هذه القدرة التي هي كالآلة للخلق عما زعمه يصرفها العبد حيث شاء في إيمان وكفر وافق ذلك مشيئة الله أو لا، وأن هؤلاء صرفوا قدرتهم إلى خلق الكفر لأنفسهم على خلاف مشيئة الله تعالى، فلذلك يعرض الزمخشري بأهل السنة القائلين بأن الله تعالى لو شاء من عبدة الأوثان أن لا يعبدوها لما عبدوها وتسميتهم لذلك مجبرة ويجعل قوله تعالى - وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم - ردا على الأشعرية كما هو رد على الوثنية، ويغفل عن النكتة التي نبهنا عليها وهي أن الرد على الوثنية بذلك لم يكن إلا لانهم ظنوا أن هذا المقدار يقيم لهم الحجة على الله، ولذلك قال تعالى عقيب ذلك - قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين - فأوضح الله تعالى أن الرد عليهم لم يكن لقولهم أن الله لو شاء لهداكم أجمعين، ولكن إنما كان الرد لظنهم أن ذلك حجة على الله بقوله فلله الحجة البالغة، فهذا التقرير هو الايمان المحض والتوحيد الصرف وما عداه من الاشراك الصراح فخزي نعوذ بالله منه.
(٥٧٩)
مفاتيح البحث: الزمخشري (2)، القتل (2)، الحج (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 574 575 576 577 578 579 580 581 582 583 584 ... » »»