الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ١ - الصفحة ٥٧٧
قوله تعالى (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم الآية) قال فيه (فقد سألوا موسى جواب لشرط مقدر الخ) قال أحمد:
وهذا من المواضع التي استولى عليه فيها الاغفال ولوح به اتباع هواه إلى مهواة الضلال، لأنه بنى على أن الظلم المضاف إليهم لم يكن إلا لمجرد كونهم طلبوا الرؤية، وهي محال عقلا دنيا وآخرة على زعم القدرية لما يلزم عندهم لو قيل بجوازها من اعتقاد التشبيه، فلذلك سمى أهل السنة المعتقدين لجوازها ووقوعها في الآخرة وفاء بالوعد الصادق مشبهة، وغفل عن كون اليهود اقترحوا على موسى عليه السلام خصوصية علقوا إيمانهم بها، ولم يعتبروا المعجز من حيث هو كما يجب اعتباره فقالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فهذا الاقتراح والتعنت يكفيهم ظلما. ألا ترى أن الذين قالوا - لن نؤمن لك حتى تنزل علينا كتابا من السماء أو حتى تفجر الأرض أو يكون لك بيت من زخرف كيف هم من أظلم الظلمة وإن كانوا إنما طلبوا أمورا جائزة، ولكنهم اقترحوا في الآيات على الله، وحقهم أن يسندوا إيمانهم إلى أي معجز اختاره الله دل ذلك دلالة يلجأ على أن ظلمهم مسبب عن اقتراحهم لا عن كون المقترح ممتنعا عقلا، والعجب بتنظير هذا السؤال لو كان المسؤول جائزا كسؤال إبراهيم عن إحياء الموتى على زعم الزمخشري غفلة منه عما انطوى عليه سؤال إبراهيم عليه السلام من صريح الايمان حيث قال له تعالى - أو لم تؤمن قال بلى - وعما انطوى عليه سؤال هؤلاء الملاعين من محض الكفر والإصرار عليه في قولهم - لن نؤمن
(٥٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 572 573 574 575 576 577 578 579 580 581 582 ... » »»