الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ١ - الصفحة ٥٠١
العقود بنفسه كالبالغ، والآخر أن يكون وظيفته أن يساوم وتقرير الثمن إذا بلغ الامر إلى العقد باشره الولي دونه وسلم الصبي الثمن. فأما الرشد فالمعتبر عند مالك رضي الله عنه فيه هو أن يحرز ماله وينميه وإن كان فاسقا في حاله.
وعند الشافعي المعتبر صلاح الدين والمال جميعا، وغرضنا الآن أن نبين وجه تنزيل مذهب مالك في هذه الآية، والله المستعان - فأما منعه من الايتاء قبل البلوغ وإن كان ظاهر الآية أن الايتاء قبله من حيث جعل البلوغ وإيناس الرشد غاية للايتاء والغاية متأخرة عن المغيا ضرورة، فيتعين وقوع الايتاء قبل، ولهذه النكتة أثبته أبو حنيفة قبل البلوغ والله أعلم. فعلى جعل المجموع من البلوغ وإيناس الرشد هو الغاية حينئذ يلزم وقوع الابتلاء قبلهما: أعني المجموع وإن وقع بعد أحدهما وهو البلوغ لان المجموع من اثنين فصاعدا لا يتحقق إلا بوجود كل واحد من مفرديه. ويحقق ويحقق هذا التنزيل أنك لو قلت وابتلوا اليتامى بعد البلوغ حتى إذا اجتمع الأمران وتضاما البلوغ والرشد فادفعوا إليهم أموالهم، لاستقام الكلام ولكان البلوغ قبل الابتلاء وإن كان الابتلاء مغيا بالامرين واقعا قبل مجموعهما. ونظير هذا النظر توجيه مذهب أبي حنيفة في قوله: إن فيئة المولى إنما تعتبر في أجل الايلاء لا بعده، وتنزيله على قوله تعالى - للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم - فجدد به عهدا يتضح لك تناسب النظرين والله أعلم. وأما اقتصاره رضي الله عنه بالرشد على المال، فإن كان المولى عليه فاسق الحال فوجه استخراجه من الآية أنه علق إيناس الرشد فيها بالابتلاء بدفع مال إليهم ينظر تصرفهم فيه، فلو كان المراد صلاح الدين فقط لم يقف الاختبار في ذلك على دفع المال إليهم، إذ الظاهر من المصلح لدينه أنه لا يتفاوت حاله في حالتي عدمه ويسره، ولو كان المراد صلاح الدين والمال معا كما يقوله الشافعي رضي الله عنه لم يكن صلاح الدين موقوفا على الاختبار بالمال كما مر آنفا، وأيضا فالرشد في الدين والمال جميعا هو الغاية في الرشد وليس الجمع بينهما بقيد، وتنكير الرشد في الآية يأبى ذلك، إذ الظاهر فإن آنستم منهم رشدا ما فبادروا بتسليم المال إليهم غير منتظرين بلوغ الغاية فيه، والله أعلم.
قال محمود (فإن قلت فما وجه نظم الكلام الواقع بعد حتى، إلى قوله: فادفعوا إليهم أموالهم الخ) قال أحمد:
(٥٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 496 497 498 499 500 501 502 503 504 505 507 ... » »»