خصائص الوحي المبين - الحافظ ابن البطريق - الصفحة ١٨
وفي الوقت نفسه يفتقد الأواصر المعنوية الخاصة، ولقد تفطن العلامة الزمخشري صاحب التفسير لهذه النكتة، فهو يقول في تفسير قوله تعالى: * (أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت) * (هود / 70):
لأنها كانت في بيت الآيات ومهبط المعجزات والأمور الخارقة للعادات فكان عليها أن تتوقر ولا يزدهيها ما يزدهي سائر النساء الناشئات في غير بيوت النبوة، وأن تسبح الله وتمجده مكان التعجب، وإلى ذلك أشارت الملائكة في قولها * (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت...) * أرادوا أن هذه وأمثالها مما يكرمكم به رب العزة ويخصكم بالانعام به يا أهل بيت النبوة (1).
وعلى ذلك لا يصح تفسير الآية بكل المنتمين عن طريق الأواصر الجسمانية إلى بيت خاص حتى بيت فاطمة إلا أن تكون هناك الوشائج المشار إليها.
ولقد جرى بين قتادة ذلك المفسر المعروف وبين أبي جعفر محمد بن علي الباقر - عليه السلام - محادثة لطيفة أرشده الامام فيها إلى هذا المعنى الذي أشرنا إليه قال عندما جلس الإمام الباقر - عليه السلام -: لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدام ابن عباس فما اضطرب قلبي قدام واحد منهم ما اضطرب قدامك. قال له أبو جعفر الباقر عليه السلام -: ويحك أتدري أين أنت؟ أنت بين يدي * (بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة) * (النور / 36 - 37) فأنت ثم ونحن أولئك.
فقال قتادة: صدقت والله جعلني الله فداك، والله ما هي بيوت حجارة ولا طين (2).
وما جاء في كلام باقر الأمة - عليه السلام - يحض المفسر على التحقيق عن الافراد الذين يرتبطون بالبيت الرفيع بأواصر معينة وبذلك يسقط القول بأن المراد منه أزواج النبي صلى الله عليه وآله، لأنه لم تكن تلك الوشائج الخاصة - باتفاق المسلمين - بينهن، وأقصى ما عندهن أنهن كن مسلمات مؤمنات.

(١) الكشاف ٢ / ١٠٧.
(٢) الكافي ٦ / 256 - 257.
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»
الفهرست