قلنا: ما هذا إلا لأمر أراده الله بأهل (الأرض) ولا يخلو من أن يكون شرا أو (رشدا) أي: عذابا أو رحمة. (وأنا منا الصلحون) الأبرار المتقون (ومنا دون ذلك) أي: ومنا قوم دون ذلك في الرتبة، فحذف الموصوف وهم المقتصدون في الصلاح، أو: أرادوا الطالحين (كنا طرآئق قددا) أي: ذوي مذاهب مختلفة، وهو بيان للقسمة المذكورة، أو: كنا في طرائق مختلفة كقوله:
كما عسل الطريق الثعلب (1).
أو: كانت طرائقنا طرائق قددا، على حذف المضاف الذي هو " طرائق " وإقامة الضمير المضاف إليه مقامه. والقدة من: قد، كالقطعة من: قطع.
وقوله: (في الأرض) و (هربا) حالان. أي: لن نعجز الله كائنين في الأرض أينما كنا، ولن نعجزه هاربين منها إلى السماء، وقيل: لن نعجزه في الأرض إن أراد بنا أمرا، ولن نعجزه في الأرض هربا إن طلبنا (2). والظن: بمعنى اليقين، وهذه صفة الجن وأحوالهم وعقائدهم، فمنهم أخيار وأشرار ومقتصدون، واعتقادهم أن الله عزيز لا يفوته مطلب، ولا ينجي عنه مهرب.
(وأنا لما سمعنا الهدى) وهو القرآن (ءامنا به فمن يؤمن بربه) فهو (لا يخاف بخسا) أي نقصانا فيما يستحقه من الثواب (ولا رهقا) أي: لحاق ظلم، وقيل: لا يخاف نقصا من حسناته ولا زيادة في سيئاته، وروي ذلك عن ابن عباس والحسن وقتادة (3)، ودخلت الفاء لأن الكلام في تقدير المبتدأ والخبر، ولولا ذلك لقيل: لا يخف، والفائدة في إدخال الفاء وتقدير الابتداء الدلالة