تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ٦٥٢
وانتصب انتصاب المصدر لأن الكذب بعض القول ونوع منه، وقرئ: " لن تقول " (1) وعلى هذا فيكون: (كذبا) مصدرا وقع موقع " تقولا "، لأن التقول لا يكون إلا كذبا.
ومعنى قوله: (كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن): أن العرب كان إذا أمسى أحدهم في واد قفر وخاف على نفسه قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه، يريد: الجن وكبيرهم (فزادوهم رهقا) أي: فزاد الجن الإنس رهقا بإغوائهم وإضلالهم لاستعاذتهم بهم، أو: فزاد الإنس الجن رهقا أي: طغيانا واستكبارا لاستعاذتهم بهم، يقولون: سدنا الجن والإنس، والرهق: غشيان المحارم. (وأنهم ظنوا) أي: وأن الإنس ظنوا (كما ظننتم) وهو من كلام الجن يقوله بعضهم لبعض، وقيل: الآيتان من جملة الوحي، والضمير في: (وأنهم ظنوا) للجن، والخطاب في: (كما ظننتم) لكفار قريش (2).
(وأنا لمسنا السمآء) اللمس: المس، فاستعير للطلب لأن الماس طالب متعرف، قال:
مسسنا من الآباء شيئا وكلنا * إلى نسب في قومه غير واضع (3) ولمسه والتمسه وتلمسه: كطلبه واطلبه وتطلبه، والمعنى: طلبنا بلوغ السماء واستماع كلام الملائكة (فوجدنها ملئت حرسا شديدا) أي: حفظة من الملائكة شدادا. والحرس: اسم مفرد، كالخدم في معنى الحراس والخدام، ولذلك وصف

(1) قرأه يعقوب. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 736.
(2) حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 624.
(3) لزيد بن الحاكم الكلابي من أبيات يمدح بها قومه ويذم آخرين من بني عمومته، يقول: لا تفاخر بيننا وبينكم من جهة الآباء بل التفاخر من جهة أمهاتنا وأمهاتكم. راجع شرح شواهد الكشاف للأفندي: ص 424.
(٦٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 647 648 649 650 651 652 653 654 655 656 657 ... » »»