تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ٦٥١
من جن نصيبين آمنوا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأرسلهم إلى سائر الجن (١) (فقالوا إنا سمعنا) أي: قالوا لقومهم حين رجعوا إليهم كقوله: ﴿فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين﴾ (2)، قالوا: (إنا سمعنا قرءانا) كتابا (عجبا) بديعا مباينا لكلام الخلق، قائما، فيه دلائل الإعجاز، " عجب " مصدر يوضع موضع " العجيب "، وهو ما خرج من حد أشكاله ونظائره.
(يهدى إلى الرشد) يدعو إلى الصواب وإلى التوحيد والإيمان (فآمنا به) الضمير للقرآن. ولما كان الإيمان به إيمانا بوحدانية الله تعالى قالوا: (ولن نشرك بربنآ أحدا) أي: ولن نعود إلى ما كنا عليه من الإشراك به، ويجوز أن يكون الضمير لله، لأن قوله: (بربنآ) يفسره (تعلى جد ربنا) أي: تعالى جلال ربنا وعظمته عن اتخاذ الصاحبة والولد، من قولك: جد فلان في عيني: إذا عظم. وقيل: (جد ربنا) سلطانه وملكه وغناه (3)، من الجد الذي هو الدولة، والبخت مستعار منه، وقوله: (ما اتخذ صحبة ولا ولدا) بيان لذلك.
(وأنه كان يقول سفيهنا) وهو إبليس أو غيره من مردة الجن (على الله شططا) أي: بعيدا من القول، وهو الكذب في التوحيد والعدل، والشطط: مجاوزة الحد، ومنه: أشط في القول إذا أبعد فيه، أي: يقول قولا هو في نفسه شطط لفرط ما أشط فيه، وهو نسبة الصاحبة والولد إلى الله. (وأنا ظننآ) أن أحدا من الجن والإنس لن يكذب على الله، ولن يقول عليه ما ليس بحق، فكنا نصدقهم فيما أضافوه إليه حتى تبين لنا بالقرآن كذبهم (كذبا) قولا كذبا أي: مكذوبا فيه،

(١) قاله ابن عباس. راجع تفسير الطبري: ج ١١ ص ٢٩٧.
(٢) الأحقاف: ٢٩.
(٣) قاله أبو عبيدة في مجاز القرآن: ج 2 ص 272.
(٦٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 646 647 648 649 650 651 652 653 654 655 656 ... » »»