تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ٦٤٣
يعني الوقت الذي سماه الله تعالى وضربه أمدا ينتهون إليه لا يتجاوزونه، وهو تمام الألف سنة. ثم أخبر أنه (إذا جآء) ذلك الأمد (لا يؤخر) كما يؤخر هذا الوقت، ولم يكن لكم حيلة.
(إنى دعوت قومى ليلا ونهارا) أي: دائما دائبا من غير فتور. (فلم يزدهم دعآئى إلا فرارا) من قبوله، ونفارا منه، جعل الدعاء فاعل زيادة الفرار. والمعنى:
أنهم ازدادوا عنده فرارا، ونحوه قوله: ﴿فزادتهم رجسا إلى رجسهم﴾ (1). (كلما دعوتهم لتغفر لهم) أي: ليتوبوا عن كفرهم فتغفر لهم، فذكر المسبب الذي هو حظهم خالصا ليكون أقبح لإعراضهم عنه (جعلوا أصبعهم في ءاذانهم) لئلا يسمعوا كلامي ودعائي (واستغشوا ثيابهم) تغطوا بها لئلا يروني، كأنهم طلبوا أن يغشاهم ثيابهم (وأصروا) وداوموا على كفرهم (واستكبروا) وأخذتهم العزة من اتباعي، وذكر المصدر تأكيد ودلالة على فرط استكبارهم وعتوهم.
ابتدأ (عليه السلام) في دعوتهم بالأهون وترقى إلى الأشد، وذلك أنه ناصحهم في السر، فلما لم يقبلوا ثنى بالمجاهرة، فلما لم يؤثر ثلث بالجمع بين الإسرار والإعلان.
ومعنى (ثم) الدلالة على تباعد الأحوال، فإن الجهار أغلظ من الإسرار، والجمع بين الأمرين أغلظ من إفراد أحدهما. و (جهارا) مصدر (دعوتهم) لأنه أحد نوعي الدعاء، فنصب به كما ينصب القرفصاء (2) ب‍ (قعد)، لكونها أحد أنواع القعود، أو: لأنه أراد ب‍ (دعوتهم) جاهرتهم، ويجوز أن يكون صفة لمصدر " دعوت " أي: دعاء جهارا مجاهرا به.

(١) التوبة: ١٢٥.
(2) قال في الصحاح: القرفصاء: ضرب من القعود، يمد ويقصر، فإذا قلت: قعد فلان القرفصاء فكأنك قلت: قعد قعودا مخصوصا وهو أن يجلس على أليتيه ويلصق فخذيه ببطنه ويحتبي بيديه يضعهما على ساقيه كما يحتبى بالثوب، تكون يداه مكان الثوب. (مادة: قرفص).
(٦٤٣)
مفاتيح البحث: الضرب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 637 638 639 641 642 643 644 645 646 647 648 ... » »»