من عذاب ربهم. واعترض بقوله: (إن عذاب ربهم غير مأمون) أي: لا ينبغي لأحد وإن بالغ في الطاعة والعبادة أن يأمن عذاب الله، وينبغي أن يكون مترجحا بين الخوف والرجاء.
وقرئ: " بشهادتهم " (1) و (بشهدتهم) والشهادة من جملة الأمانات، وخصها من بينها إبانة لفضلها، لأن في إقامتها إحياء الحقوق وتصحيحها، وفي كتمانها تضييعها وإبطالها.
(فمال الذين كفروا قبلك) عندك يحتفون بك (مهطعين) مسرعين نحوك، مادين أعناقهم إليك. (عن اليمين وعن الشمال عزين) جماعات متفرقين فرقة فرقة، جمع " عزة " وأصلها: " عزوة " كأن كل فرقة تعتزي إلى غير من تعتزي إليه الأخرى. وكانوا يحدقون بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يستمعون إلى كلامه، ويستهزئون ويقولون: إن دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) دخلناها قبلهم.
(كلا) ردع لهم عن طمعهم في دخول الجنة، ثم علل ذلك بقوله: (إنا خلقنهم مما يعلمون) إلى آخر السورة، وهو كلام دال على إنكارهم البعث، فكأنه قال: كلا إنهم منكرون للبعث والجزاء، فمن أين يطمعون في دخول الجنة؟ وذلك أنه احتج سبحانه عليهم بالنشأة الأولى، وأنه خلقهم (مما يعلمون) أي: من النطف، وبأنه قادر على أن يهلكهم ويبدل ناسا خيرا منهم، وأنه ليس بمسبوق على ما يريد تكوينه ولا يعجزه شىء، والغرض أن من قدر على ذلك لم يعجزه الإعادة. وقيل: معناه: إنا خلقناهم من النطفة المذرة، فهي أصلهم ومنصبهم الذي لا منصب أوضع منه، فمن أين يتشرفون ويدعون التقدم ويقولون: لندخلن الجنة