تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ٦٢
مثل: " ظلن "، (ولا تبرجن تبرج الجهلية الأولى) وهي القديمة التي يقال لها:
الجاهلية الجهلاء، وهي الزمن الذي ولد فيه إبراهيم (عليه السلام)، كانت المرأة تلبس الدرع من اللؤلؤ فتمشي وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال، وقيل: ما بين آدم ونوح (1)، وقيل: هي جاهلية الكفر قبل الإسلام (2).
(أهل البيت) نصب على النداء أو على المدح، و (الرجس) مستعار للذنوب، و " الطهر " للتقوى، لأن عرض المقترف للقبيح يتدنس به كما يتلوث جسده بالأرجاس.
واتفقت الأمة على أن المراد أهل بيت نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) (3).

(1) قاله الحكم والحسن، راجع تفسير الطبري: ج 10 ص 294، وتفسير الماوردي: ج 4 ص 400.
(2) وهو قول ابن زيد. راجع تفسير الطبري: ج 10 ص 295.
(3) الخطاب في قوله تعالى: (عنكم) بالجمع المذكر يدل على أن الآية الشريفة من قوله:
(إنما يريد الله) الخ، في حق غير زوجات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإلا فسياق الآيات يقتضي التعبير بخطاب الجمع المؤنث، أعني: " عنكن " و " يطهركن " فالعدول عنهما إلى الخطاب بالجمع المذكر يشهد بأن المراد من أهل البيت غير الزوجات، وهم الخمسة النجباء (عليهم السلام)، وباقي الأئمة أيضا مراد بإجماع الإمامية واتفاقهم. وما يقال: إن التعبير بالجمع المذكر إنما هو باعتبار " الأهل " كما تفوه به بعض النواصب فمما لا يعبأ به، فإن على ما ادعاه أيضا لابد وأن يكون في العدول إلى الخطاب بالجمع المذكر سببا ومرجحا، فإن " الأهل " يذكر ويؤنث لا أنه يذكر فقط كما صرح به العلامة الزمخشري في الكشاف في تفسير آية: (هذه القرية الظالم أهلها) في سورة النساء، فبناء على أن الأهل يؤنث أيضا كان الأولى التعبير بحسب سياق الآيات، وصدر هذه الآية نفسها هو الخطاب بالجمع المؤنث، فالعدول ليس إلا لما ذكرناه.
وأضف إلى ذلك أنه إن كان المراد من " الأهل " هو " الأهل " في قوله تعالى: (أهل البيت) فهذا لا يصحح مراده، لان الأهل تابع (عنكم) والتابع لا يؤثر في المتبوع لا تذكيرا ولا تأنيثا. وإن كان المراد من " الأهل " هو " الأهل " المنتزع من النساء، فهذا يقتضي أن تكون الضمائر السابقة أيضا بالتذكير، والحال أن الضمائر كلها بالتأنيث، فما وجه العدول في ذيل الآية إلى التذكير؟ مع أنك عرفت أن " الأهل " يذكر ويؤنث.
ثم إنا نقول: إنه هل المراد من إذهاب الرجس عن أهل البيت هو دفع الرجس أو رفعه؟
فإن كان الأول فالزوجات خارجات عن حكم الآية، فإن أكثرهن - إن لم يكن كلهن - كن في الرجس قبل الإسلام، وإن كان الثاني فلا محيص من القول بخروج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن حكم الآية، فإنه لم يكن فيه رجس أصلا لا قبل البعثة ولا بعدها باتفاق الأمة الإسلامية قاطبة، مع أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) داخل في حكم الآية قطعا بالاتفاق، فلا يمكن القول بخروج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن حكمها. فثبت الأول وانتفى الثاني وخرجت الزوجات عن حكم الآية قطعا، وهو المطلوب " ق ".
(٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 ... » »»