تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ٣١١
كان أمر آلهتنا هينا!! ما ضربوا هذا المثل لك إلا لأجل الجدل والغلبة في القول لا لطلب المعرفة (بل هم قوم خصمون) دأبهم الخصومة (١) واللجاج. وذلك أن قوله: ﴿إنكم وما تعبدون﴾ (2) ما أريد به إلا الأصنام، ومحال أن يقصد به الأنبياء والملائكة.
وثانيها: أنهم لما سمعوا أن مثل عيسى عند الله كمثل آدم، قالوا: نحن أهدى من النصارى؛ لأنهم عبدوا آدميا ونحن نعبد الملائكة، فنزلت (3). فعلى هذا يكون في قولهم: (ءألهتنا خير أم هو) تفضيل آلهتهم على عيسى!! وما قالوا هذا القول إلا للجدل، أو يكون (جدلا) حالا بمعنى: جدلين.
وثالثها: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما مدح المسيح وأمه قالوا: ما يريد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا إلا أن نعبده كما عبدت النصارى المسيح (4). ومعنى (يصدون): يضجرون ويضجون، والضمير في (أم هو) لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وغرضهم بالموازنة بينه وبين آلهتهم السخرية والاستهزاء.
والمروي عن أهل البيت (عليهم السلام): أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: جئت إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوما فوجدته في ملأ من قريش، فنظر إلي ثم قال: " يا علي، إنما مثلك في هذه الأمة كمثل عيسى بن مريم، أحبه قوم وأفرطوا في حبه فهلكوا، وأبغضه قوم وأفرطوا في بغضه فهلكوا، واقتصد فيه قوم فنجوا " فعظم ذلك عليهم وضحكوا، فنزلت الآية (5).
(إن هو إلا عبد) أي: ما عيسى إلا عبد كسائر العبيد (أنعمنا عليه) حيث

(١) في نسخة: " الخصومة والجدال ".
(٢) الأنبياء: ٩٨.
(٣) أسباب النزول للواحدي: ص ٣١٧ ح ٧٨٣.
(٤) حكاه الزمخشري في الكشاف: ج ٤ ص ٢٦٠.
(٥) تفسير فرات الكوفي: ص 151.
(٣١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 306 307 308 309 310 311 312 313 314 315 316 ... » »»