تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ١٠٧
على أنه عطف بيان لها، وأراد بقيامهم: إما القيام عن مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتفرقهم عنه، وإما القيام الذي لا يراد به المثول على القدمين ولكن الانتصاب في الأمر والنهوض فيه بالهمة، والمعنى: إنما أعظكم بواحدة إن فعلتموها أصبتم الحق، وهي أن تقوموا لوجه الله خالصا اثنين اثنين وواحدا واحدا (ثم تتفكروا) في أمر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وما جاء به بعدل وإنصاف من غير عناد ومكابرة.
وأراد بقوله: (ما بصاحبكم من جنة) أن هذا الأمر العظيم الذي تحته ملك الدنيا والآخرة جميعا لا يتصدى لادعاء مثله إلا أحد رجلين: إما مجنون لا يبالي بافتضاحه إذا طولب بالبرهان فعجز، وإما عاقل كامل مرشح للنبوة مؤيد من عند الله بالآيات والحجج، وقد علمتم أن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) ما به من جنون، بل علمتموه أرجح الناس عقلا، وأصدقهم قولا، وأجمعهم للمحامد. و (ما) للنفي، ويكون استئناف كلام تنبيها من الله على طريقة النظر في أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويجوز أن يكون المعنى: (ثم تتفكروا) فتعلموا ما بصاحبكم من جنة. ويجوز أن يكون (ما) استفهامية بمعنى: أي شيء به من جنة؟ وهل رأيتم من منشئه إلى مبعثه وصمة فيه تنافي النبوة؟ (إن هو إلا نذير) أي: مخوف (بين يدي عذاب شديد) يوم القيامة.
(ما سألتكم) تقديره: أي شيء سألتكم (من أجر فهو لكم) وفيه معنيان:
أحدهما: نفي مسألة الأجر رأسا كما يقول الرجل لصاحبه: إن أعطيتني شيئا فخذه، وهو يعلم أنه لم يعطه شيئا، والمراد: لا أسألكم على تبليغ الرسالة شيئا من عرض الدنيا فتتهموني، والآخر: أن يريد بالأجر ما يريده في قوله: ﴿قل ما أسئلكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا﴾ (1) وفي قوله: (قل لا أسئلكم عليه

(١٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 ... » »»