تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ١ - الصفحة ٥٢٢
ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل) * (77) سورة المائدة / 75 - 78 أي: * (ما) * هو * (إلا رسول) * من جنس الرسل الذين خلوا (1) قبله، أتى بمعجزات باهرة من فعل الله تعالى كما أتوا بأمثالها * (وأمه صديقة) * صدقت بكلمات ربها وكتبه وما هي إلا كبعض النساء المصدقات * (كانا يأكلان الطعام) * هذا تصريح ببعدهما عما نسب إليهما، لأن من احتاج إلى الغذاء وما يتبعه من الهضم والنفض (2) لم يكن إلا جسما مؤلفا محدثا (3)، وقيل: إنه كناية عن قضاء الحاجة فكأنه ذكر الأكل وقصد بذلك الإخبار عن عاقبته (4) * (انظر كيف نبين لهم) * الأعلام من الأدلة الظاهرة على بطلان قولهم * (ثم انظر أنى يؤفكون) * أي:

(١) في نسخة زيادة: من.
(٢) استنفض بالحجر: استنجى، وهو من نفض الثوب لأن المستنجي تنفض عن نفسه الأذى بالحجر. (القاموس المحيط: مادة نفض).
(٣) قال الشيخ الطوسي (قدس سره) في التبيان: ج ٣ ص ٦٠٥: قوله: * (كانا يأكلان الطعام) * فيه احتجاج على النصارى، لأن من ولدته النساء، وكان يأكل الطعام لا يكون إلها للعباد، لأن سبيله سبيلهم في الحاجة إلى الصانع المدبر، لأن من فيه علامة الحدث لا يكون قديما، ومن يحتاج إلى غيره لا يكون قادرا لا يعجزه شئ.
وقال العلامة الطباطبائي (قدس سره) الشريف: هو رد لقولهم: * (إن الله ثالث ثلاثة) * أو قولهم هذا وقولهم المحكي في الآية السابقة: * (إن الله هو المسيح ابن مريم) * جميعا، ومحصله اشتمال المسيح على جوهر الألوهية، بأن المسيح لا يفارق سائر رسل الله الذين توفاهم الله من قبله كانوا بشرا مرسلين من غير أن يكونوا أربابا من دون الله سبحانه، وكذلك أمه مريم كانت صديقة تصدق بآيات الله تعالى وهي بشر، وقد كان هو وأمه جميعا يأكلان الطعام، وأكل الطعام مع ما يتعقبه مبني على أساس الحاجة التي هو أول أمارة من أمارات الإمكان والمصنوعية، فقد كان المسيح (عليه السلام) ممكنا متولدا من ممكن، وعبدا ورسولا مخلوقا من أمه كانا يعبدان الله، ويجريان في سبيل الحاجة والافتقار من دون أن يكون ربا. فهذه الأمور صرحت به الأناجيل، وهي حجج على كونه (عليه السلام) عبدا رسولا. انظر الميزان: ج 6 ص 73.
(4) قاله الماوردي في تفسيره: ج 2 ص 56.
(٥٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 517 518 519 520 521 522 523 524 525 526 527 ... » »»